قال حكيم بن زريق: قيل لـ سعيد بن المسيب: أحضور الجنازة أحب إليك أم الجلوس في المسجد؟ بمعنى: هل تفضل أن تجلس في المسجد من الصلاة إلى الصلاة، أو تترك المسجد وتخرج لحضور الجنازة؟ فقال رضي الله عنه: بل الجلوس في المسجد أحب إلي؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم يقول:(من صلى على جنازة فله قيراط، ومن شهد دفنها فله قيراطان) وأما الجالس في المسجد فإن الملائكة تقول: (اللهم اغفر له، اللهم ارحمه، اللهم تب عليه).
فاستحضر رحمه الله أن الملائكة تدعو له وهو جالس في المسجد، وفضّل أن يجلس في المسجد على أن يحضر الجنازة، وفي كل خير، فحضور الجنازة فيه أجر عظيم، وقد جاء عن عبد الله بن عمر رضي الله عنه أنه لما سمع حديث النبي صلى الله عليه وسلم:(من شهد جنازة -أي: تبعها- فصلى عليها فله قيراط، ومن شهدها حتى تدفن فله قيراطان) أي: بشهوده الجنازة والانتظار حتى تنزل في قبرها، فلما سمع ذلك قال: لقد فرطنا في قراريط كثيرة.
ففيه أن ابن عمر تحسر على أنه اكتفى بأن صلى على الجنازة ولم يشهدها، أو أنه شهدها وانصرف قبل أن تنزل إلى قبرها، فقال: لقد فرطنا في قراريط كثيرة.
فينبغي على الإنسان أن يحرص على حضور الجنازة ما لم يمنعه عذر، فإذا خير بين أن يعتكف في المسجد وبين أن يحضر الجنازة فهو مخير بين خيرين، وإن كان حضور الجنازة فيه خير ونفع متعد، وثوابه عظيم، كما فيه أيضاً تطيب لقلب أهل الميت، ومواساة لهم، وفيه دعاء للميت وهو في قبره بالتثبيت، وأجور كثيرة من نواح أخرى قد تزيد على وجود الإنسان في المسجد، ولكن في كل خير.