[علامات المنافقين]
وقد حذر الله عز وجل النبي صلى الله عليه وسلم من طاعتهم؛ لأن المنافق ينصرف عن المؤمن ويأنف أن يكون معه في أوقات الجد والشدة، كما صنع عبد الله بن أبي بن سلول مع النبي صلى الله عليه وسلم في غزوة أحد لما انسحب بثلث الجيش عن النبي صلى الله عليه وسلم، بعد أن كانوا ألف مقاتل والكفار ثلاثة آلاف، فصار النبي صلى الله عليه وسلم في سبعمائة مقاتل، وانصرف المنافق ومن معه في وقت الشدة والحرج.
ومن علامات المنافقين أيضاً: سلاطة ألسنتهم وبذاءتها على النبي صلى الله عليه وسلم والمؤمنين، كما قال بعضهم: والله ما رأينا مثل قرائنا أرغب بطوناً ولا أجبن عند اللقاء.
فقراء القرآن في نظرهم أجوع الناس وأجبنهم عند القتال والجهاد، وكأن هؤلاء المنافقين هم الذين يجاهدون في سبيل الله عز وجل.
وكانت النتيجة أن فضحهم الله سبحانه وتعالى في سورة التوبة، فذكر أوصافهم وأحوالهم بدقة متناهية، حتى إنهم خافوا أن تنزل عليهم سورة تنبئهم بما في قلوبهم، فتبين أن المنافقين هم أشد خطراً على المؤمنين من الكفار؛ لأن الكفار معلومون ظاهرون، أما المنافقون فقد يصلون ويتصدقون، ولكنهم يفسدون العلاقة بين المسلمين مع بعضهم.
وانظروا إلى عبد الله بن أبي بن سلول وأفعاله مع النبي صلى الله عليه وسلم ومع المسلمين، فقد خرج ذات مرة في غزوة مع المسلمين فلما رجع قال لمن معه: {لا تُنْفِقُوا عَلَى مَنْ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ حَتَّى يَنْفَضُّوا} [المنافقون:٧]، أي: حتى لا يبقى أحد مع النبي صلى الله عليه وسلم ثم يتركنا وينصرف، ثم يقول لمن حوله: {لَئِنْ رَجَعْنَا إِلَى الْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الأَعَزُّ مِنْهَا الأَذَلَّ} [المنافقون:٨]، أي: إذا رجعنا إلى المدينة فسنخرج هؤلاء الضعفاء الأذلين من بيننا -يقصد النبي صلى الله عليه وسلم ومن معه- فإذا سئل عن ذلك ومن معه إذا بهم يحلفون بإنكار ذلك عنهم، كما قال تعالى: {يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ مَا قَالُوا وَلَقَدْ قَالُوا كَلِمَةَ الْكُفْرِ وَكَفَرُوا بَعْدَ إِسْلامِهِمْ وَهَمُّوا بِمَا لَمْ يَنَالُوا} [التوبة:٧٤].
وكذلك المنافق في كل زمان، فهو إنسان متسلق يريد أن يصعد على أي شيء مهما كان ثمنه؛ فلا تكاد تجد في قلبه الخوف من الله سبحانه وتعالى، بل لا تجد في قلبه سوى حب المنصب والعلو على الخلق.
ومن علاماتهم كذلك: التكاسل عن العبادات والتذبذب، فلا تجده يقف على قدم ثابتة أبداً، بل يصلي إذا وجد القوة مع المصلين، وإلا فالأصل فيه التكاسل والتشكك في وعد الله عز وجل ورسوله صلى الله عليه وسلم، فالله عز وجل هنا يحذر نبيه صلى الله عليه وسلم منهم فيقول: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ اتَّقِ اللَّهَ وَلا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَالْمُنَافِقِينَ} [الأحزاب:١] أي: خف الله يا محمد! ولا تمل لهؤلاء الكافرين والمنافقين، وإذا كان ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فهو للمؤمنين من باب أولى.
{إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا} [الأحزاب:١] أي: عليماً بما تقولون وما تفعلون وما تنوون، حكيماً سبحانه وتعالى في أوامره ونواهيه، فإذا نهاكم عن الشيء فاحذروه واتركوه سواء فهمتم الحكمة أم لم تفهموا؛ لأن الله حكيم في أوامره ونواهيه، فما عليك إلا أن تنفذ أمر الله وستجد الخير من وراء ذلك.
ولذلك اتبع الصحابة النبي صلوات الله وسلامه عليه في كل ما يقوله لهم، لعلمهم بأن الخير يجري على لسانه صلوات الله وسلامه عليه، فهو لا ينطق عن الهوى، وكذلك يجب على كل مسلم أن يطيع الله ورسوله صلوات الله وسلامه عليه، ويعلم أن الله له العلم الكامل وله الحكمة البالغة سبحانه.
أقول قولي هذا، وأستغفر الله العظيم، وصل اللهم وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.