تفسير قوله تعالى: (شرع لكم من الدين ما وصى به نوحاً)
الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، اللهم صل وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحابته أجمعين.
قال الله عز وجل في سورة الشورى: {شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ كَبُرَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ مَا تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ اللَّهُ يَجْتَبِي إِلَيْهِ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَنْ يُنِيبُ * وَمَا تَفَرَّقُوا إِلَّا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ وَلَوْلا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ وَإِنَّ الَّذِينَ أُورِثُوا الْكِتَابَ مِنْ بَعْدِهِمْ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ مُرِيبٍ} [الشورى:١٣ - ١٤].
ذكر الله سبحانه وتعالى هذه الشريعة العظيمة التي شرعها لنا، وجعلها لنا طريقاً ومنهاجاً ومسلكاً نسلك بها إلى جنة الله عز وجل، وشرع لنا من الدين ما وصى به نوحاً والذي أوحاه إلى النبي صلى الله عليه وسلم، (وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى)، فهي شريعة الله سبحانه ومنهجه ودينه الإسلام، الذي دعا إليه كل رسل الله وأنبيائه عليهم الصلاة والسلام، فكلهم دعوا إلى توحيد الله، فقالوا: {اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ} [الأعراف:٥٩]، فكذلك نبينا صلى الله عليه وسلم بعث بمثل ما بعث به السابقون، أن يدعو قومه ويدعو العالمين إلى عبادة الله وحده لا شريك له.
وقوله تعالى: (أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ) أي: أقيموا توحيد الله سبحانه وتعالى وادعوا إليه، وانهوا عن الشرك بالله سبحانه وتعالى.
وقوله تعالى: (وَلا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ) أي: لا تتفرقوا في دين الله، كما تفرق الذين من قبلكم من بعد ما جاءتهم البينات، فأمرنا أن نتحد وأن نعتصم بدين الله وبشرع الله سبحانه وتعالى، وأن ندعو إليه، وأسه وأساسه وأعظمه توحيد الله سبحانه.
قال النبي صلى الله عليه وسلم: (بني الإسلام على خمس: شهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وصوم رمضان، وحج البيت من استطاع إليه سبيلاً) فالإسلام خمسة أركان، أعظمها وأعلاها توحيد الله سبحانه وتعالى، شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله صلوات الله وسلامه عليه، فشرع لنا هذا الدين الذي هو ملة إبراهيم ونوح وآدم عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام، وكل الأنبياء على هذا التوحيد وهو لا إله إلا الله.
وقوله تعالى: (كَبُرَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ مَا تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ) أي: عظم عند المشركين وكبر عليهم أن تدعوهم إلى إله واحد وهم مشركون به سبحانه وتعالى.
وقوله تعالى: (اللَّهُ يَجْتَبِي إِلَيْهِ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَنْ يُنِيبُ) كان الكفار يجادلون النبي صلى الله عليه وسلم أن اختاره الله سبحانه وتعالى نبياً ورسولاً صلوات الله وسلامه عليه، فالله نهاهم أن يجادلوا في ذلك، فليس الأمر إليهم، إنما الأمر إلى الله فهو الذي يجتبي إليه من يشاء ويهدي من يشاء، فيجعله رسولاً أو خليلاً أو نبياً، ويوحي إليه أو ينزل عليه ملكاً من السماء، فهذا الأمر إلى الله عز وجل.
فالله الذي فعل ذلك، وأغلق باب الجدل في ذلك، قال تعالى: {لا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ} [الأنبياء:٢٣]، فالله هو الذي اختار محمداً صلى الله عليه وسلم أن يكون رسولاً نبياً، فالله يفعل ما يشاء ويحكم ما يريد.