[تفسير قوله تعالى: (وفي خلقكم وما يبث من دابة)]
قال الله تعالى: {وَفِي خَلْقِكُمْ وَمَا يَبُثُّ مِنْ دَابَّةٍ آيَاتٌ لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ} [الجاثية:٤].
قوله: ((وَفِي خَلْقِكُمْ)) أي: على الإنسان أن ينظر إلى نفسه، كيف خلقه الله سبحانه وتعالى، كيف كان شيئاً صغيراً جنيناً في بطن أمه، وكان قبل ذلك نطفة وعلقة وصار هذا الإنسان هذا الخلق العظيم البديع الذي خلقه الله سبحانه وتعالى.
كلما نظر الإنسان تعجب في خلقه، خلقة الإنسان وهو في بطن أمه كيف تكونت هذه النطفة فصارت هذا الإنسان؟! كيف تجمعت العروق في الإنسان وعملت شبكة الأوعية الدموية؟! كيف تجمعت خلايا الإنسان وتكون منها مخ هذا الإنسان؟ فأنت حين ترى الصور للجنين وهو في بطن أمه، وهو يتكون خلقاً من بعد خلق تتعجب من هذا المنظر، ثم بعد ذلك يصير هذا الإنسان الجميل على هذه الخلقة العظيمة، كل هذا يتم عن طريق التصوير للجنين في بطن أمه (بالميكروسكوبات الإلكترونية)، فتنظر إلى صورة هذا الإنسان وهو يتخلق شيئاً فشيئاً في بطن أمه، عروقه تكون عبارة عن ذرات وخلايا متناثرة تتجمع وتتجمع إلى أن تكون شبكة عجيبة جداً في جسم هذا الإنسان، وطول هذه الشبكة تزيد على أربعين كيلو، والكيلو الواحد يعتبر كثيراً جداً، كيف تجمعت هذه الخلايا داخل هذا الإنسان حتى صارت على هذا الطول؟! والإنسان عندما ينظر إلى طول جسمه كيف يكون بداخله هذه المئات والألوف من الكيلومترات من الخلايا التي لو رصت بعضها بجوار بعض رصاً لبلغت هذا الطول العظيم! كل هذه خلقها الله سبحانه وتعالى.
خلايا كلها متشابهة كلها صورة واحدة، وتنقسم هذه الخلايا إلى أقسام، فمنها: ما يتكون منها العروق، ومنها: ما يتكون منها المخ، ومنها: ما يتكون منها القلب، ومنها: ما يتكون منها الجلد.
فالمؤمن هو الذي يصدق ويؤمن ويعلم أن الذي كونه وقال له: كن فكان على هذا النسق وهذا النظام البديع الذي خلقه هو الله سبحانه وتعالى.
قوله: ((وَفِي خَلْقِكُمْ وَمَا يَبُثّ)) أي: أنت في خلقك نشرت فيك هذه الخلايا فصرت هذا الإنسان، وجعل هذا أبيض وهذا أحمر وهذا أسود وهذا كذا وهذا كذا، لكن هذا الإنسان الذي في أقصى الشمال مثل ذلك الإنسان الذي في أقصى الجنوب، والإنسان الذي في المكان الحار جداً، هو نفس الإنسان الذي في المكان البارد جداً، فهو سبحانه الذي خلق هؤلاء جميعهم.
كذلك تعددت الألسن وتعددت اللغات وتعددت الألوان ولكن الخلقة واحدة فلا تتعجب فإنه خلق الله سبحانه وتعالى.
قال: ((وَفِي خَلْقِكُمْ وَمَا يَبُثُّ مِنْ دَابَّةٍ)) بث بمعنى نشر ونثر وأذاع، فهو سبحانه بث في كل مكان وأوجد خلقاً من الخلق منها ما نعرفه ومنها ما لا نعرفه.
قال: ((آيَاتٌ لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ)) أي: آيات للذي عنده يقين وعنده إيمان واعتقاد ثابت بالله سبحانه وتعالى.
فالإيمان هو التصديق، واليقين أشد هذا التصديق، كأنه يرى هذا الغيب ماثلاً أمامه.
فقوله: ((آيات)) قراءة الجمهور بالضم فيها، وقرأ حمزة والكسائي ويعقوب: ((آياتٍ)) بالكسر، كأنها على العطف على ما قبلها.
{إِنَّ فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ لَآيَاتٍ} [الجاثية:٣] كذلك هنا: ((وما يبث من دابة آياتٍ لقوم يوقنون)).