قصة حكيم بن حزام رضي الله عنه عند سؤاله النبي صلى الله عليه وسلم مالاً
وهنا قصة لـ حكيم بن حزام رضي الله تعالى عنه، إذ كان سيداً من سادات العرب، أسلم متأخراً وذهب إلى النبي صلوات الله وسلامه عليه ثم قال: (أعطني يا رسول الله، فأعطاه النبي صلى الله عليه وسلم، ثم رجع ثانية فقال: أعطني يا رسول الله! أعطاه النبي صلى الله عليه وسلم، ثم جاء ثالثة فأعطاه، ثم قال: يا حكيم إن هذا المال خضرة حلوة، فمن أخذه بسخاوة نفس بورك له فيه، ومن أخذه بإشراف نفس لم يبارك له فيه كالذي يأكل ولا يشبع، واليد العليا خير من اليد السفلى).
أي: أن هذا المال مثل البقل الذي ينبت في الأرض، فتأكله المواشي، فالماشية تستحلي هذا الذي ينبت الربيع، وكذلك الإنسان يستحلي هذا المال، قال: (فمن أخذه بسخاوة نفس) جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (ما آتاك الله من هذا المال من غير مسألة ولا إشراف نفس فخذه)، كما لو أن إنساناً أعطته الدولة جائزة فيأخذها، وكذلك لو أن إنساناً قال: سأعطيك هذا الشيء هدية، فاقبل طالما أنك لم تستشرف لها ولم تطلبها وهي من حلال، فخذها يبارك لك في ذلك، لكن لو أن الإنسان يقول: أنا أريد أكل كذا، أو أريد المال الفلاني، أو أريد فلاناً يهدي لي هدية، أو أريد هدية على لا شيء قدمته له، فهذا طالب مال من غير أن يبذل له منه شيء، فيقول لك: لا تطلب المال بهذه الصورة، لكن لو أتاك من غير مسألة ولا إشراف نفس فاقبله، وسيبارك لك فيه.
وإذا كان الإنسان لحوحاً كثير المسألة يطلب المال من غير وجه حق لا يبارك له فيه، فلذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم: (فمن أخذه بسخاوة نفس بورك له فيه) فنفسه سخية، ليس طماعاً، ولا مستشرفاً، ثم يأخذ هذا المال ويصل به رحمه أو يدفع به حاجة ولا يقول: سأضعه في البنك لما تحصل لي حاجة ثم أصرفه.
ولكن قال: سأنفق هذا المال، ومثلما أنتفع أنفع فلاناً وفلاناً.
فهذا أخذه بسخاوة نفس، فهو يستحق البركة، فالله يبارك له فيه، فإذا أخذ مائة تصدق منها بثلاثين أو أربعين، وكأن المال لم ينقص منه شيء ببركة الله تبارك وتعالى.
وغيره يأخذ المائة وهو يستشعر الفقر والخوف، ألا تنتهي ولعلها تنتهي منه قدام عينيه سريعاً، فالله عز وجل يبارك لسخي النفس المؤمن.
قال: (ومن أخذه بإشراف نفس) بأن كان طماعاً، يحاول أن يأخذ المال الذي ليس من كسبه ولا من تعبه، مثل كثير من المتسولين يمد أحدهم يده ويطلب من الناس، ولا يعمل؛ لأنه يكسب في اليوم عشرة جنيهات أو عشرين جنيهاً أو أكثر من ذلك، فهو أحسن له في نظره، ففرق بين إنسان وإنسان، وينبغي للإنسان أن يعطي الفقراء الذين يحسبهم الجاهل أغنياء من التعفف، ويبحث عن هؤلاء في عائلته، أو جيرانه، وسيلاقي من يستحق العطاء، أما مثل هؤلاء المتسولين فالذي ينبغي في حقهم ألا يعودوا على هذا الفعل، وأن يتحرى في معرفة الصادق منهم فيعطى، أو يؤمرون بالذهاب إلى لجنة الزكاة ليعطوهم منها، وقد يتعاطف معهم البعض مع أن كثيراً منهم كذابون، وقد رأينا إحدى المتسولات ذهب معها إلى بيتها فوجد فيه حقائب متعددة، وفي واحدة فقط ثلاثة آلاف جنيه، أما الدفاع عنهم بغير وجه حق فلا داعي لذلك.
وبالمناسبة أحياناً قد يأتي إلى المسجد بعض من يتعاطى الحشيش أو المخدرات أو الهروين ويقلب المسجد ويعمل إرباكاً للمصلين، فيقوم بعض الشباب بمنعه من دخول المسجد، ثم يسلمه إلى القسم، ثم تجد بعض الطيبين يعترض على ذلك، وهذا مما لا ينبغي.
وقد يدخل المسجد من يسرق الأحذية، فإذا دعي عليه أو قبض عليه اعترض بعض هؤلاء، وكذلك هذا غير صحيح.
ومرة كنا في جنازة وفي الدور الثاني للمسجد علق رجل جاكته، وفيه ألف جنيه، فأتى السارق وأخذها، فلما مسك هو أو صاحبه اعترض بعض أهل الخير وتحولت المشكلة من قبض على السارق إلى عراك بين هؤلاء.
وحادثة أخرى دخل رجل المسجد ومعه سكين وفي عقله خلل، ويقول: أنا المهدي، وعلامة صدقي أني أشق أحدكم نصفين ثم أحييه.
فبعض هؤلاء يقول: حرام عليك اتركه يصلي، ولو كنت ساجداً فقد يقطع رقبتك، فمثل هذا الاعتراض لا يصح.
وحادثة وقعت في رمضان، أتى سارق فأخذ عشرين حذاءً من المسجد، ثم قبض على السارق، فجاء مجموعة من هؤلاء يقولون: حرام عليك، اتركه يذهب.
لكن هو ليس حراماً عليه سرق الأحذية وترك الناس يذهبون إلى بيوتهم حفاة، وقد يمنع بعضهم من الصلاة في بيت الله سبحانه!! ومرة في صلاة الفجر جئت إلى المسجد فلقيت شخصاً لابساً حزاماً ويمسك السيف في يده، فكيف نصلي وهو واقف على رؤوسنا؟! فيأتي أحد هؤلاء ويقول: حرام عليكم لا أحد يمسكه.
ومرة بعدها جاء السارق فأخذ فلوس أحد هؤلاء، فوقف يصيح ويقول: سرق مني فلوسي! فلماذا هذه المرة تصيح على فلوسك والمرة السابقة تقول: حرام عليك؟! فنحن جئنا إلى المسجد لنعبد الله سبحانه وتعالى، والنبي صلى الله عليه وسلم سأله أحد الصحابة فقال: (يا رسول الله! أرأيت إن جاء أحد يريد أخذ مالي، قال: لا تعطه)، يعلمنا الشجاعة والحفاظ على الكرامة، وإذا لم يكن الإنسان قوياً أخذ المجرمون ماله، والدولة اليوم لا تأخذ على أيدي المجرمين وأصحاب المخدرات والحشيش.
فقد يأتي أحد هؤلاء ويقول: هات ما في جيبك، فإذا لم تكن قوياً ضاع مالك، ولا بد في بيوت الله أن يوجد من يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر، قال تعالى: {وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} [آل عمران:١٠٤]، ونحن لا نقول لك: اعتد على الناس، لكن إذا مسك من يؤذي فلا بد أن ينال جزاءه.
وفي إحدى المرات بدأنا في صلاة المغرب، فدخل شخص يصيح ويتكلم بالكفر، وبعد الصلاة كل واحد انصرف، ولم يكلمه أحد.
وكلنا يعلم المقولة المشهورة: إن الله ليزع بالسلطان ما لا يزع بالقرآن، فالمجنون الذي يدخل المسجد لا يقال له: اتق الله في المصاحف، وكذلك الذي يدخل ليسرق المصاحف من بيوت الله عز وجل، لا بد أن ينال جزاءه حتى يرتدع.
وبعض الإخوة يأتي إلي ببعض السكارى متعاطي المخدرات، وعقله ضائع، ويقول: اجلس معه يا شيخ، ونحن لم نجد وقتاً نكلم العقلاء فكيف نكلم المجانين؟! والله تعالى يقول: {لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى} [النساء:٤٣].
وهناك من يجد المجنون أو المصروع فيقول: اذهب به إلى الشيخ يقرأ عليه، ونحن نقول: اذهب إلى الطبيب يعالجه.
ويوجد بعض الدجالين أحياناً يصلون معنا في المسجد ومعه كراسه مكتوب عليها عنوان مسجد نور الإسلام، وأي واحد صرع أو جن ذهب إليه، فاحذروا مثل هؤلاء.
ونحن نؤمن بالعلاج بالقرآن ونصدق به، لكن عالج نفسك أنت بالقرآن، احفظ آيات الرقية وهي: فاتحة الكتاب و ((قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ))، و ((قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ))، و ((قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ))، ثم ارق نفسك، أما أن تذهب إلى الشيخ ليرقيك فليس عندنا دجل في المسجد، فإذا كنت متعلماً فارق نفسك، أو يرقيك أخوك، أو أبوك، أما المسجد فلا يفعل فيه هذا الشيء.
وسبب انتشار هذه الظاهرة: أن بعض الناس لا يجد عملاً فيأخذ حقيبته ويضع فيها مسجلاً؛ لأنه ليس حافظاً للقرآن، ويحمل عصاه، فإذا جاء إليه المريض فتح التسجيل وبدأ يضربه بالعصا وقد يقتله، وكم قرأنا في الجرائد مثل ذلك.
فنحن هنا ندرس دين الله سبحانه وتعالى، وندرس التفسير العلمي الصحيح، والمعجزات الكونية التي ذكرها العلماء، أما أن نسأل عمن يعالج ويقرأ القرآن فما السبب أن يخرج العفريت بقراءة الشيخ ولا يخرج بقراءتك؟! وما هو الفرق بينك وبينه؟ إنها عقول عجيبة جداً، وكم من إنسان قالوا: إنه جن، ثم عرض على الطبيب النفسي فشفي، لكن المشكلة أننا دخلنا في السحر، وفي الدجل، والكهانة.
فاتقوا الله تبارك وتعالى، وامنعوا مثل هذا الشيء.
والأصل أن نحافظ على حرمة بيوت الله، وعلى قدسيتها، ونحافظ على أنفسنا تقرباً إلى الله عز وجل بذلك.
أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم، وصل اللهم وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.