[الحكمة من تخيير النبي صلى الله عليه وسلم في القسم بين النساء]
وقوله: {تُرْجِي مَنْ تَشَاءُ مِنْهُنَّ وَتُؤْوِي} [الأحزاب:٥١] أي: تضم إليك من شئت {وَمَنِ ابْتَغَيْتَ مِمَّنْ عَزَلْتَ فَلا جُنَاحَ عَلَيْكَ} [الأحزاب:٥١] أي: إذا أخر فلم يتزوج ثم ابتغاها بعد ذلك، فله أن يتزوجها صلى الله عليه وسلم، أو تزوج ومعه نساء، فقسم لفلانة ولفلانة ولم يقسم لفلانة ثم أراد أن يغير بعد ذلك فيقسم لفلانة مع هؤلاء؛ فهذا من حقه عليه الصلاة والسلام.
ولعل الواحدة من نساء النبي صلى الله عليه وسلم قد تضايق النبي صلى الله عليه وسلم في شيء، مثلما حدث من السيدة حفصة رضي الله تبارك وتعالى عنها من شدة غيرتها على النبي صلى الله عليه وسلم، فضايقت النبي صلى الله عليه وسلم ببعض الأفعال فطلقها صلوات الله وسلامه عليه، ونزل جبريل على النبي صلى الله عليه وسلم فقال له: (راجع حفصة فإنها صوامة قوامة)، أي: لها فضيلة عند ربها سبحانه، فهي كثيرة الصيام والقيام، فردها النبي صلوات الله وسلامه عليه وأرجعها.
فهنا ربنا يقول له صلى الله عليه وسلم: {تُرْجِي مَنْ تَشَاءُ مِنْهُنَّ وَتُؤْوِي إِلَيْكَ مَنْ تَشَاءُ وَمَنِ ابْتَغَيْتَ مِمَّنْ عَزَلْتَ} [الأحزاب:٥١] أي: من عزلها النبي صلى الله عليه وسلم فلم يقسم لها، أو طلقها ثم راجعها صلوات الله وسلامه عليه؛ فلا حرج عليه في ذلك، حتى تعلم نساء النبي صلى الله عليه وسلم أنه قد أبيح له ذلك من عند الله سبحانه، ولا حرج عليه في ذلك، فتطمئن الواحدة أن هذا أبيح للنبي صلى الله عليه وسلم، وليس من حقها أن تعترض، واعتراضها ليس على النبي صلى الله عليه وسلم وإنما يكون على ربها سبحانه، فهذا قوله سبحانه وتعالى: {ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ تَقَرَّ أَعْيُنُهُنَّ وَلا يَحْزَنَّ وَيَرْضَينَ بِمَا آتَيْتَهُنَّ كُلُّهُنَّ} [الأحزاب:٥١].
ذلك أي: ما أخبر به سبحانه وتعالى، قال: {فَلا جُنَاحَ عَلَيْكَ} [الأحزاب:٥١] أي: هذا منا نحن مننا عليك به، وأحللنا لك ذلك، وجعلنا لك أن ترجئ وأن تؤوي، وهذا من حقك فلا جناح عليك.
فإذا علمت المرأة أن هذا تشريع من الله سبحانه لنبيه صلى الله عليه وسلم اطمأن قلبها إذ هو صلى الله عليه وسلم لا يفعل هذا من عند نفسه، وإنما بإباحة الله عز وجل لنبيه صلى الله عليه وسلم.
وقوله: {وَمَنِ ابْتَغَيْتَ مِمَّنْ عَزَلْتَ فَلا جُنَاحَ عَلَيْكَ} [الأحزاب:٥١] كأنه إشارة إلى أن الأفضل له ألا يطلق أحداً من نسائه عليه الصلاة والسلام، وقد كاد أن يطلق السيدة سودة رضي الله تبارك وتعالى عنها، فعلمت سودة بذلك، فقالت للنبي صلى الله عليه وسلم: (لا حاجة لي في الرجال، ولكن أحب أن أكون زوجتك في الجنة).
فالنبي صلى الله عليه وسلم لم يفارقها، ووهبت يومها للسيدة عائشة رضي الله تبارك وتعالى عنها، فجعل النبي صلى الله عليه وسلم يوم السيدة سودة للسيدة عائشة رضي الله عنها.
قال الله عز وجل: {ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ تَقَرَّ أَعْيُنُهُنَّ} [الأحزاب:٥١] أي: إذا عرفت الواحدة منهن أنها بالصبر على ذلك تكون زوجتك في الدنيا، وتكون زوجتك في الآخرة؛ تقر عينها بذلك، والعين القارة هي المستقرة، والقارة الباردة، والإنسان إما أن يكون حزيناً خائفاً، وإما أن يكون مسروراً مستقراً.
فالإنسان الخائف الحزين غير الإنسان المسرور المطمئن المستقرة عينه، فمعنى (تقر أعينهن) أي: تستقر العين بالطمأنينة التي في القلب، وكذلك تقر العين أي تبرد العين، والإنسان الحزين عينه حارة ودمعته حارة، والإنسان المسرور عينه قارة، ودمعته باردة.
إذا بكى من الفرح.
إذاً: تنفيذ أمهات المؤمنين أمر الله تبارك وتعالى، وعلمهن أن هذا من عند الله سبحانه أباح لرسوله ما شاء، وله أن يؤوي إليه من عزل؛ هذا كله أدنى أن تقر أعينهن.
{وَلا يَحْزَنَّ وَيَرْضَينَ بِمَا آتَيْتَهُنَّ كُلُّهُنَّ} [الأحزاب:٥١].
أي: يرضين كلهن بما أعطيتهن، فترضى كل واحدة وتعلم أن هذا القسم من عند الله سبحانه، وأن التخيير للنبي صلى الله عليه وسلم من عند الله، فترضى كل واحدة، فهذا أمر الله، فيصبرن ويرضين بأمر الله سبحانه وتعالى.