تفسير قوله تعالى: (أفمن وعدناه وعداً حسناً فهو لا قيه)
قال الله تعالى: {أَفَمَنْ وَعَدْنَاهُ وَعْدًا حَسَنًا فَهُوَ لاقِيهِ كَمَنْ مَتَّعْنَاهُ مَتَاعَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ثُمَّ هُوَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنَ الْمُحْضَرِينَ} [القصص:٦١].
يعني: لا تبتئس أيها المؤمن بما ضاع منك من الدنيا ولا تحزن على فواتها، فإنه لا يستوي المؤمن مع الكافر، فمهما آتاه الله في الدنيا من مال وبنين ونعم فهذا كله إلى زوال، أما المؤمن فإن له النعيم المقيم عند رب العالمين، ولو كانت الدنيا لها منزلة عند الله لأعطاها للنبي صلى الله عليه وسلم، ولما نام على حصير يؤثر في جنبه صلى الله عليه وسلم، ولما ربط الحجر على بطنه من شدة الجوع صلوات الله وسلامه عليه.
ولو كانت الدنيا تساوي عند الله شيئاً ما جعل النبي صلى الله عليه وسلم يخرج مجاهداً بيده وبلسانه صلوات الله وسلامه عليه حتى جرح ووقع في حفرة فخرت ثناياه صلوات الله وسلامه عليه وتأثر في ساقه عليه الصلاة والسلام ولم يستطع المشي إلا أن يحمله من معه عليه الصلاة والسلام.
وهكذا فإن الدنيا لا تساوي عند الله شيئاً؛ ولذلك مهما كان فيها من كد وهم وغم وتعب فإن هذا يزول، ومتاع الدنيا قليل، فلا يحزن المؤمن عليها.
كان عمر يدخل على النبي صلى الله عليه وسلم، فدخل مرة فوجد النبي صلى الله عليه وسلم في غرفة فارغة ليس فيها شيء إلا سرير عليه حبال، والنبي صلى الله عليه وسلم متكئ على هذه الحبال التي على السرير فأثرت فيه صلى الله عليه وسلم؛ لعدم وجود فراش على السرير، ورأى جلد شاة مدبوغ معلقاً في هذه الغرفة التي فيها النبي صلى الله عليه وسلم.
فلما نظر عمر في الغرفة ولم يجد شيئاً يرد البصر، تأثر رضي الله عنه وقال: أنت رسول الله صلى الله عليه وسلم وليس لديك شيء، وكسرى وقيصر في القصور ولديهم الذهب والفضة.
فيقول النبي صلى الله عليه وسلم لـ عمر ليطمئنه: (أولئك قوم عجلت لهم طيباتهم)، أي: لا تغضب على هذا الشيء، فهو على ما هو فيه صلى الله عليه وسلم راض بهذا الشيء، ومنشرح بهذا الأمر، فإنه في نعمة من الله سبحانه وتعالى وهي نعمة الإيمان.
فالإنسان المؤمن يقتدي بالنبي صلى الله عليه وسلم، فمهما رأى غيره من أهل الكفر قد نالوا من الدنيا فلا يحزن ولا يبتئس، فإن ما له عند الله عز وجل أعظم بكثير من الدنيا.
قال تعالى: {أَفَمَنْ وَعَدْنَاهُ وَعْدًا حَسَنًا} [القصص:٦١] أي: الجنة وعدناها المؤمنين، وقوله تعالى: {فَهُوَ لاقِيهِ} [القصص:٦١] فالمؤمن ملاق هذا الوعد من الله يقيناً، فهل يستوي هذا مع من متعناه متاع الحياة الدنيا؟! فكلاهما يعيشان في الدنيا ويأكلان، فالكافر يأكل أحلى الأطعمة، والمؤمن يأكل دون ذلك، وفي النهاية يصير الاثنان تراباً، ثم يبعثان إلى الله، فهل يستويان في الآخرة؟! فالمؤمن له جنة النعيم، والكافر له عذاب الجحيم، فلا يستويان، يقول سبحانه وتعالى: {أَفَمَنْ وَعَدْنَاهُ وَعْدًا حَسَنًا فَهُوَ لاقِيهِ كَمَنْ مَتَّعْنَاهُ مَتَاعَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ثُمَّ هُوَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنَ الْمُحْضَرِينَ} [القصص:٦١] فكلمة متاع فيها تحقير للحياة الدنيا، ثم يؤتى به للعذاب وللسؤال ويكون من أهل النار، قال تعالى: {ثُمَّ هُوَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنَ الْمُحْضَرِينَ} [القصص:٦١] وهذه أيضاً فيها قراءتان: قراءة الجمهور بضم الهاء في كلمة هو: (ثم هُو يوم القيامة من المحضرين).
وقراءة قالون وأبي جعفر والكسائي بتسكين الهاء فيها.