للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[تفسير قوله تعالى: (ويضيق صدري ولهم علي ذنب فأخاف أن يقتلون)]

قال الله تعالى: {وَيَضِيقُ صَدْرِي وَلا يَنْطَلِقُ لِسَانِي فَأَرْسِلْ إِلَى هَارُونَ} [الشعراء:١٣].

كأنه يقول: وإني يضيق صدري، ولذلك رفعت هنا على الاستئناف أو القطع عما قبلها، {وَلا يَنْطَلِقُ لِسَانِي} [الشعراء:١٣]، فقد كان في لسانه لثغة وثقل عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام، وموسى عليه الصلاة والسلام كانت فيه حدة، وكان يغضب بسرعة، ولذلك عندما غضب على القبطي وكزه موسى عليه الصلاة والسلام فقتله.

فهنا يقول لربه: أنا أخاف من نفسي وأخاف على نفسي، فأخاف أن يكذبوني، وأيضاً أخاف أن يضيق صدري بسرعة، وأيضاً عندي لثغة في لساني فلا ينطلق لساني، فلا أستطيع الكلام معهم، {فَأَرْسِلْ إِلَى هَارُونَ} أي: اشدد أزري بأخي هارون يكون معي، وجاء في سورة القصص قال: {وَأَخِي هَارُونُ هُوَ أَفْصَحُ مِنِّي لِسَانًا} [القصص:٣٤] أي: يتكلم أحسن مني؛ لأن موسى كانت فيه لثغة في لسانه من صغره عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام.

وكان سببها: أنه لما كان في بيت فرعون حمله فرعون، فإذا بموسى يشده من لحيته فيغضب فرعون ويريد قتله، فإذا بزوجة فرعون تقول له: إنه صبي لا يفهم، لكن فرعون كان مصراً على أن يقتل الصبي، فقالت له: أعطه جوهرة وأعطه جمرة وانظر أيهما سيأخذ؟ فالله عز وجل جعله يأخذ الجمرة من النار ويضعها على لسانه، فأصيب بلثغة في لسانه، حتى أصبح لا يجيد التعبير، ويثقل النطق على لسانه، ولذلك دعا ربه فكانت معجزة أخرى من معجزاته عليه الصلاة والسلام: {قَالَ رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي * وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي * وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِنْ لِسَانِي * يَفْقَهُوا قَوْلِي} [طه:٢٥ - ٢٨]، ثم قال له ربه بعد ذلك: {قَالَ قَدْ أُوتِيتَ سُؤْلَكَ يَا مُوسَى} [طه:٣٦].

فهنا في هذه الآيات يقول لربه سبحانه: {إِنِّي أَخَافُ أَنْ يُكَذِّبُونِ * وَيَضِيقُ صَدْرِي وَلا يَنْطَلِقُ لِسَانِي} [الشعراء:١٢ - ١٣]، وهذه قراءة الجمهور.

وقراءة يعقوب: (ويضيقَ صدري ولا ينطلقَ لساني) بنصب الفعل، وكأنه عطف على أن خوفي من تكذيبهم وخوفي من أن يضيق صدري، وخوفي من ألا ينطلق لساني فلا أقدر على التبليغ، {فَأَرْسِلْ إِلَى هَارُونَ} [الشعراء:١٣]؛ لأنه أفصح مني لساناً، وقال أيضاً: {وَلَهُمْ عَلَيَّ ذَنْبٌ فَأَخَافُ أَنْ يَقْتُلُونِ} [الشعراء:١٤].

قالوا: كان موسى عليه السلام أنفع أخ لأخيه في الدهر كله؛ لأنه طلب من ربه أن يجعل أخاه نبياً معصوماً؛ لأنه ما من نبي إلا وهو معصوم، وما من نبي إلا وهو في الجنة، فكان أعظم دعاء يدعوه أخ لأخيه هو هذا الذي دعاه موسى، واستجيب له في أخيه هارون عليهما وعلى نبينا الصلاة والسلام.

فقوله: ((وَلَهُمْ)) يعني: لفرعون وقومه لهم، ((عَلَيَّ ذَنْبٌ)) أي: لهم علي قصاص، وهو أنه قتل القبطي، قال: ((فَأَخَافُ أَنْ يَقْتُلُونِ)) أي: أن يقتصون مني؛ لأني قتلت رجلاً منهم، وقراءة يعقوب: ((فأخاف أن يقتلوني)).

<<  <  ج:
ص:  >  >>