قال الله سبحانه:{يَدْعُونَ فِيهَا بِكُلِّ فَاكِهَةٍ آمِنِينَ}[الدخان:٥٥]، ذكر الأمان هنا مرة ثانية، والأمان نعمة عظيمة من نعم الله عز وجل، ويعرف الإنسان هذه النعمة حين يخاف من عدو أو من وال أو سلطان أو حاكم أو رئيس؛ ولذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم:(من بات آمناً في سربه، معافىً في بدنه، عنده قوت يومه، فكأنما حيزت له الدنيا بحذافيرها)، وكثير من الناس لا يعرف قدر هذه النعمة، (بات آمناً في سربه) سرب الإنسان هو المكان الذي يسير فيه، فهو المكان الظاهر، فيمشي وهو غير مختف، بل يمشي في مكان ظاهر وهو آمن، (معافىً في بدنه) يعني: ليس مريضاً.
(عنده قوت يومه)، ولم يقل: قوت سنته، أو قوت شهره، أو قوت أسبوعه، عنده قوت يومه، فهو آمن في مكانه، معافى في بدنه، عنده قوت يومه، فهذه هي الدنيا كلها، والإنسان مهما جمع من خيرات الدنيا كلها فلن يأكل في أكثر من بطن واحدة، وإذا امتلأت فمهما كان هناك من الطعام فلن يأكله، والعافية نعمة من الله سبحانه عظيمة، والله عز وجل يمن على أهل الجنة بالأمن والأمان، كما قال الله:{لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ}[يونس:٦٢]، لا يخافون من مستقبل أمامهم، ولا يحزنون على ماض فاتهم، فالله عز وجل قد أمنهم وأعطاهم هذا النعيم، نسأل الله عز وجل أن يجعلنا منهم ومعهم.
قال الله:{يَدْعُونَ فِيهَا}[الدخان:٥٥] أي: يطلبون وينادون: هاتوا لنا كذا، ونريد كذا، فمن في الجنة يعطى أي شيء يطلبه، فيشير إلى الأشجار وإلى الثمار فتنزل إليه، ويشير إلى الطير فينزل إليه كما يريده مشوياً أو مقلياً، وغلمان أهل الجنة يأتونهم بما يشاءون، والملائكة يأتونهم بما يشاءون، فهذا نعيم عظيم من فضل رب العالمين سبحانه، فنسأله سبحانه ألا يحرمنا منه.
وعندما أدخل الله آدم الجنة حظر الله عز وجل عليه صنفاً واحداً، فقال:{وَلا تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ}[البقرة:٣٥]، وأما أهل الجنة إذا دخلوها فلا يوجد تكليف، ولا شيء عنهم محظور مما في الجنة، فيأكلون ما يشاءون منها، والله امتحن آدم لحكمة حتى ينزل إلى الأرض، وأما أهل الجنة فلا نزول إلى الأرض مرة ثانية.
قال الله:{يَدْعُونَ فِيهَا بِكُلِّ فَاكِهَةٍ آمِنِينَ}[الدخان:٥٥]، فذكر الله دعاءهم بالفاكهة، ولم يتعرض لأقواتهم؛ لأنهم لا يجوعون أصلاً، فيأكل ما يشاء، ويشرب ما يشاء، ويتفكه بما يشاء.