[معنى الواو في قوله تعالى: (حتى إذا جاءوها وفتحت أبوابها)]
قوله تعالى: (وَفُتِحَتْ أَبْوَابُهَا) وكأنها فتحت قبل أن يصلوا، ولا تفتح الجنة إلا أن تفتح لنبينا صلوات الله وسلامه عليه، فهو أول من يدخل الجنة عليه الصلاة والسلام، ولذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم: (أنا أول من تفتح له الجنة) وهو أول من يدخلها، قال: (آخذ بحلقة الجنة فيقال: من؟ فأقول: محمد صلى الله عليه وسلم، فتقول الجنة: بك أمرت ألا أفتح لأحد قبلك) فاستفتح ففتحت له فأول من يدخلها نبينا الكريم صلوات الله وسلامه عليه، نسأل الله عز وجل أن يجعلنا معه.
قوله تعالى: (وَفُتِحَتْ) أي: أن الجنة تظل مفتوحة دائماً.
أما النار فإنهم إذا جاءوها فتحت فدخلوا فيها ثم أغلقت عليهم، وإذا جاء فوج آخر فتحت فيدخلونها ثم تغلق عليهم، فإن أبوابها مؤصدة، أما الجنة إذا فتحت فأبوابها مفتحة، ولذلك فرقت (الواو) هنا عن هناك، حيث قال في أهل النار: {حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا فُتِحَتْ أَبْوَابُهَا} [الزمر:٧١] أي: كل ما جاءها فوج تفتح فيدخلون فتغلق عليهم، ويأتي الفوج الآخر فتفتح ويدخلون، أما الجنة إذا فتحت فإنها تظل مفتوحة أبداً لا تغلق، فيأتي أهل الجنة ويجدون الأبواب مفتحة فيزدحمون على أبوابها، وليأتين عليها يوم وهي كظيظ من زحام أهل الجنة.
فهذا هو الفرق بين ذكر أهل النار بقوله تعالى: (حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا فُتِحَتْ)، وذكر أهل الجنة بقوله تعالى: (حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا وَفُتِحَتْ أَبْوَابُهَا) يعني: وكانت مفتحة قبل ذلك.
وهناك قراءتان في هذه الكلمة: فتقرأ: (فُتِحت) و (فتّحت)، وكذلك في النار: (فتِحت) و (فتّحت)، فقراءة: (فتِحت): هي قراءة الكوفيين عاصم وحمزة والكسائي وخلف.
وقراءة: (فتّحت): هي قراءة باقي القراء نافع وابن كثير وأبي عمرو وأبي جعفر ويعقوب وابن عامر.
وقال بعضهم: الواو في قوله تعالى: (حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا وَفُتِحَتْ أَبْوَابُهَا) مضمر فيها معاني، فكأنه قال: حتى إذا جاءوها وفعل بهم وفعل بهم وفعل بهم وفتحت أبوابها، فهنا محذوف دلت عليه الواو هنا، وهذا من بلاغة القرآن حيث يعبر بحرف واحد عن جمل كثيرة قبلها.
ويمكن أن يكون المراد: حتى إذا جاءوها ونقوا من مظالم كانت بينهم، وصفيت نفوسهم، وهذبوا، وطيبوا، وأخرج ما فيهم من مرض وكدر وغل وحقد، فتحت أبوابها، فأهل الجنة يمرون على الصراط فإذا وصلوا إلى الجنة حبس منهم -بعضهم أو كثير منهم- حتى يتقاصوا المظالم فيما بينهم، فيؤخذ من حسنات الظالم للمظلوم حتى يستوفي حقه، فإذا هذبت النفوس مما كان فيها دخلوا الجنة بعد ذلك.
ومن المعاني التي فيها قول بعضهم: الواو هذه واو الثمانية، وعادة العرب أنهم إذا ذكروا أعداداً فعدوا من واحد إلى سبعة قالوا: واحد اثنان ثلاثة أربعة فإذا وصلوا إلى الثمانية قالوا: وثمانية، فهنا أبواب الجنة ثمانية، فذكرت الواو هنا دليل عليها، أو إشارة إلى ثمانية أبواب الجنة، ولقد جاء مثل هذا في القرآن في مواطن، منها ما جاء في سورة براءة قوله تعالى: {التَّائِبُونَ الْعَابِدُونَ الْحَامِدُونَ السَّائِحُونَ الرَّاكِعُونَ السَّاجِدُونَ الآمِرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّاهُونَ عَنِ الْمُنكَرِ} [التوبة:١١٢].
وفي سورة أخرى قال تعالى: {عَسَى رَبُّهُ إِنْ طَلَّقَكُنَّ أَنْ يُبْدِلَهُ أَزْوَاجًا خَيْرًا مِنْكُنَّ مُسْلِمَاتٍ مُؤْمِنَاتٍ قَانِتَاتٍ تَائِبَاتٍ عَابِدَاتٍ سَائِحَاتٍ ثَيِّبَاتٍ وَأَبْكَارًا} [التحريم:٥]، فقالوا: هذه الواو واو الثمانية، يعني: ذكر الشيء الثامن يسبقه الواو، فهذه ثلاثة مواضع في الواو التي ذكرت هنا مع أهل الجنة.