[فراسة إياس بن معاوية]
ومن أصحاب الفراسة الذي كانوا مشهورين بذلك أحد القضاة وهو إياس بن معاوية بن قرة إياس المزني رضي الله تبارك وتعالى عنه، فقد كان له من ذلك حظ عظيم جداً، وكان الناس يذهبون يتعلمون من إياس وكان أبوه معاوية بن قرة صحابياً، رضي الله تبارك وتعالى عنه، وكان إياس مشهوراً بالفراسة، وكانوا يتعلمون منه ذلك، وهذا العلم هبة من الله، فمن أراده فليتعلم العلوم الشرعية؛ ليفتح الله عليه في ذلك.
ومن قضاء إياس الذي كان الناس يعجبون منه: أن رجلاً استودع رجلاً مالاً، ثم رجع فطلبه فجحده، فأتى إياساً فأخبره، فقال له إياس: انصرف حتى أنظر في أمرك، واكتم أمرك، ولا تعلمه أنك أتيتني، ثم عد إلي بعد يومين.
فدعا إياس هذا الرجل، وقال له: إني قد حضر إلي مال كثير، وأريد أن أودعه عندك، فاذهب وجهز له بيتاً فذهب الرجل وجهز له بيتاً، وبعد يومين جاء الرجل الأول إلى إياس، فقال له إياس: اذهب إليه وقل له: أعطني مالي وإلا شكوتك للقاضي.
فأعطاه ماله، ثم ذهب إلى إياس يطلب منه المال، فزجره وانتهره، وقال له: لا تقربني يا خائن!.
وقصة أخرى عجيبة لـ إياس بن معاوية في ذلك: جاءت أربع نسوة إلى مجلسه، فقال إياس: أما إحداهن فحامل، والأخرى مرضع، والثالثة ثيب، والرابعة بكر! فتعجبوا من أمره، وسألوا فكن كما قال: فسألوه كيف عرف ذلك وهن متحجبات؟ فقال: أما الحامل فكانت تكلمني وترفع ثوبها عن بطنها، أي: مع ثقل الحجاب.
وأما المرضع فكانت تمسك بثديها، فعرفت أنها مرضع.
وأما الثيب: فكانت تكلمني وعيني في عينها.
وأما البكر فكانت تكلمني وعينها في الأرض.
يعني: المرأة الثيب عندها جراءة ليست عند المرأة البكر، فاكتشف الأربع من مجرد الكلام معه.
وقصة أخرى عجيبة من قصصه رضي الله عنه: أن رجلاً استودع غيره مالاً، فجحده هذا الإنسان، فرفعه إلى إياس، فسأله: أين أعطيته هذا المال؟ فقال: في البرية، في الصحراء فقال: أين هو؟ قال: عند الشجرة الفلانية.
فسأل إياس غريمة: أتعرف مكان الشجرة؟ فقال: لا.
فقال إياس للمدعي: اذهب إليها فعلك دفنت المال عندها، فلعلك إن رأيتها تذكرت أين وضعت المال.
فذهب الرجل فجلس إياس مع المدعي عليه ينظر في القضايا، ثم سأل المدعى عليه: أتراه وصل إلى الشجرة؟ فقال: لا.
إن المسافة بعيدة.
فأخذه وقرره بما عليه من مال.