[تفسير قوله تعالى:(وإذا دعوا إلى الله ورسوله وإن يكن لهم الحق يأتوا إليه مذعنين)]
يقول سبحانه في هؤلاء المنافقين:{وَإِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ إِذَا فَرِيقٌ مِنْهُمْ مُعْرِضُونَ}[النور:٤٨]، قوله:((وَإِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ)) ذكر هنا الله سبحانه وتعالى وذكر الرسول صلوات الله وسلامه عليه، ثم أعاد الضمير لواحد، فقال:((لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ))، فالذي سيحكم بين الاثنين بشرع الله هو النبي صلى الله عليه وسلم، وهو الذي سيقضي في الخصومة صلى الله عليه وسلم، فلذلك أعاد الضمير إلى النبي صلى الله عليه وسلم وحده، فذكر الله عز وجل أنه الذي أنزل الكتاب وهو الذي أنزل الأحكام الشرعية وجعلها شريعة ومنهاجاً، لكن الذي سيحكم بهذه الشريعة هو النبي صلى الله عليه وسلم، فقال:((لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ)) يعني: النبي صلى الله عليه وسلم.
ثم قال:((إِذَا فَرِيقٌ مِنْهُمْ مُعْرِضُونَ)) كأن هؤلاء هم الذين يقولون: آمنا بألسنتهم، فمنهم من يستجيب ويذهب، ومنهم من يعرض.
فكأن الفريق الذي يذهب للنبي صلى الله عليه وسلم ويتحاكم إليه إنما ذهب استحياءً، وهم قالوا: آمنا بألسنتهم، فاستحيوا وذهبوا وتحاكموا، وأما الفريق الآخر منهم الذي لا يذهب للنبي صلى الله عليه وسلم إلا إذا رأى في زعمه أن الحق معه، وأنه سيحكم له بذلك، فيذهب للنبي صلى الله عليه وسلم.
ثم قال تعالى:{وَإِنْ يَكُنْ لَهُمُ الْحَقُّ يَأْتُوا إِلَيْهِ مُذْعِنِينَ}[النور:٤٩] فالحق إما لك وإما عليك، فإن كان الحق عليك فأده، وإن كان الحق لك فخذ حقك، فالنبي صلى الله عليه وسلم سيحكم بالحق، ويعطي كل ذي حق حقه، فيأخذ من الظالم ليعطي للمظلوم، فهؤلاء المنافقون إذا كانوا مظلومين تحاكموا للنبي صلى الله عليه وسلم؛ لأنه سيأتي لهم بحقهم، وإذا كانوا ظالمين ذهبوا لأهل الرشوة وأهل الفساد ليتحاكموا إليهم.
فقوله:((وَإِنْ يَكُنْ لَهُمُ الْحَقُّ يَأْتُوا إِلَيْهِ مُذْعِنِينَ)) أي: طائعين منقادين خاضعين مسرعين للنبي صلى الله عليه وسلم طالما أنهم سيأخذون منه، لكن إذا كان سيحكم عليهم ذهبوا إلى غير النبي صلى الله عليه وسلم.