[تفسير قوله تعالى:(فيومئذ لا ينفع الذين ظلموا معذرتهم)]
بين الله عدم جدوى اعتذارهم يوم القيامة فقال سبحانه:{فَيَوْمَئِذٍ}[الروم:٥٧] أي: يوم القيامة، {لا يَنفَعُ الَّذِينَ ظَلَمُوا مَعْذِرَتُهُمْ وَلا هُمْ يُسْتَعْتَبُونَ}[الروم:٥٧]، وقراءة الكوفيين عاصم وحمزة والكسائي وخلف:(لا ينفعُ)، وأما قراءة الباقين فهي:(لا تنفع) على التأنيث، والمعذرة يجوز أن تذكر فيقال:(لا ينفع)، ويجوز أن تؤنث فيقال:(لا تنفع).
وإذا كان الاعتذار والاستعتاب والرجوع إلى رب العالمين ينفع الإنسان في الدنيا ولا ينفع في الآخرة؛ لأن الدنيا دار تكليف، أما الآخرة فهي دار جزاء، ولا ينفع أن يقول فيها الإنسان: آمنت وصدقت.
فقد صار الغيب شهادة.
قوله:{لا يَنفَعُ الَّذِينَ ظَلَمُوا}[الروم:٥٧] أي: ظلموا أنفسهم في الدنيا بشركهم بالله سبحانه، وظلموا غيرهم.
وقوله:{مَعْذِرَتُهُمْ}[الروم:٥٧] أي: اعتذارهم.
{وَلا هُمْ يُسْتَعْتَبُونَ}[الروم:٥٧] أصل الاستعتاب: طلب إزالة العتب، يستعتب أي: لا يطلب منه إزالة العتب، يقال: استعتبني فأعتبته، يعني: طلب مني إزالة العتب فأزلته عنه، والمعنى: استرضاني فوافقته على ذلك.
فهؤلاء لا يستعتبون أي: لا يطلب منهم إزالة غضب الله عليهم بالطاعة، أو لا يطلب منهم ولا يقال لهم: ارضوا ربكم الآن، إذ إن طلب الرضا كان في الدنيا، أما في الآخرة فلا يطلب منهم ذلك، إذ الآخرة ليست بدار تكليف وإنما هي دار جزاء وحساب، فلا ينفعهم فيها الاعتذار، ولا يطلب منهم أن يتوبوا إلى الله، ويرجعوا إليه، ويزيلوا الغضب الذي من الله عليهم.