[تفسير قوله تعالى: (فكذبوه فأهلكناهم لهو العزيز الرحيم)]
قال الله سبحانه: {فَكَذَّبُوهُ} [الشعراء:١٣٩]، والنتيجة: {فَأَهْلَكْنَاهُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً} [الشعراء:١٣٩].
فقوله تعالى: {فَكَذَّبُوهُ فَأَهْلَكْنَاهُمْ} [الشعراء:١٣٩] أي: أهلكناهم هلاكاً عظيماً صعباً شديداً ما كانوا يتوقعون مثله أبداً، إذْ منع الله عنهم المطر سنين، فإذا بهم لا يجدون ماء وهم على كفرهم هذا، فأرسلوا وافد عاد الذي يضرب به المثل في الشؤم إلى الحرم؛ كي يدعو لهم ويستغيث لهم، فليس هناك أحدٌ يدعو في هذا المكان إلا أعطاه الله، فذهب وافد عاد إلى هذا المكان، وقبل أن يصل إلى الحرم مرّ على ملك من الملوك فدعاه فجلس عنده ووجد طعاماً وشراباً، فنسي قومه، فذكره هذا الملك عن طريق جاريتين تغنيان بما جاء من أجله، فذهب حتى وصل إلى الحرم، فدعا وقال: اللهم اسق عاداً.
فكل الكفار يعرفون أن الله هو الخالق، وأنه هو الرازق، فعندما يحتاجون شيئاً فإنهم يقولون: يا رب أعطنا، وأما العبادة فلا يعبدون الله سبحانه وتعالى، فهذا دعا ربه سبحانه وتعالى وقال: اللهم اسق عاداً، فأراه الله عز وجل ثلاث سحابات في السماء: سحابة بيضاء، وسحابة سوداء، وسحابة حمراء، فاختار السحابة السوداء، فنزلت على عاد فلما رأوها قالوا: {قَالُوا هَذَا عَارِضٌ مُمْطِرُنَا بَلْ هُوَ} [الأحقاف:٢٤] سموم وريح شديدة من عند رب العالمين، بل هو عذاب أليم من عند رب العالمين، يمطر عليهم من الجحيم، فأهلكهم الله سبحانه وتعالى بما ظنوه، {قَالُوا هَذَا عَارِضٌ مُمْطِرُنَا بَلْ هُوَ مَا اسْتَعْجَلْتُمْ بِهِ رِيحٌ فِيهَا عَذَابٌ أَلِيمٌ * تُدَمِّرُ كُلَّ شَيْءٍ بِأَمْرِ رَبِّهَا فَأَصْبَحُوا لا يُرَى إِلَّا مَسَاكِنُهُمْ} [الأحقاف:٢٤ - ٢٥].
فقوله: {تُدَمِّرُ كُلَّ شَيْءٍ} [الأحقاف:٢٥] فقد دمرت البلد على من فيها فأصبحوا لا يرى إلا مساكنهم، وكانت أجسامهم طويلة كالنخيل فجاءتهم ريح شديدة فاقتلعتهم من الأرض كأنهم أعجاز نخل، قال تعالى: {كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ مُنْقَعِرٍ} [القمر:٢٠]، فأصبح الواحد منهم كالنخلة تقتلع من الأرض وترمى فتنزل على رأسها.
قال تعالى: {إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً} [الشعراء:١٣٩]، فقد جاءهم العذاب من حيث كانوا يتوقعون الرحمة، وجاءتهم النيران من حيث كانوا يتوقعون الماء، وجاءهم بطش الله سبحانه وهم كانوا يزعمون أنهم جبارون.
قال تعالى: {إِنَّ بَطْشَ رَبِّكَ لَشَدِيدٌ} [البروج:١٢].
وقال سبحانه: {وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ} [هود:١٠٢].
{فَكَذَّبُوهُ فَأَهْلَكْنَاهُمْ} [الشعراء:١٣٩] فهما كلمتان فقط، فكأنهم ليس لهم قيمة، فقد كذبوا فجاءهم العذاب سريعاً من عند رب العالمين.
قال تعالى: {إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً} [الشعراء:١٣٩] والآية وموطن العبرة هنا ألا تغتر ولا تعجب بنفسك، ولا تطلب ما لا تقدر عليه، وتقرب إلى الله سبحانه وتعالى تنفعك طاعتك، ولا تبتعد عن الله فإنك لا تدري متى يأتي بطشه سبحانه وتعالى.
وقوله تعالى: {وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ} [الشعراء:١٣٩] أي: أن الأغلبية من الناس ليسوا على الإيمان {وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ} [الشعراء:١٤٠]، ختم هنا بهذا الختام الجميل الذي ختم به كل قصة من هذه القصص، فيذكر الله سبحانه أنه الرب العزيز الحكيم، وأنه الرب الفعال لما يريد سبحانه وتعالى، الخالق، الرازق، الذي يرفع والذي يضع سبحانه وتعالى، الرب الذي يشرع فيأمر وينهى سبحانه وتعالى، قال: {وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ} [الشعراء:١٤٠] وحده لا شريك له {الْعَزِيزُ} [الشعراء:١٤٠] أي: الغالب القوي القهار الذي لا يغالب سبحانه، المنيع الجانب، فهو يقدر عليكم ولا تقدرون له على شيء، {الرَّحِيمُ} [الشعراء:١٤٠] مع قوته وجبروته سبحانه وتعالى فهو العزيز الرحيم، {وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ} [الشعراء:١٤٠] فيخوف عباده ثم يرجيهم ويجعلهم يؤملون فضله ورحمته سبحانه.
نسأل الله من فضله ورحمته، أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم، وصل اللهم وسلم وبارك على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.