للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

تفسير قوله تعالى: (قالوا أجئتنا لتأفكنا عن آلهتنا ولكني أراكم قوماً تجهلون)

فكان

الجواب

{ قَالُوا أَجِئْتَنَا لِتَأْفِكَنَا عَنْ آلِهَتِنَا فَأْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ} [الأحقاف:٢٢]، أي: لتصدنا وتصرفنا عن آلهتنا التي نعبدها من دون الله سبحانه، ((فَأْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ) أي: إن كنت تقدر على فعل شيء فافعل ما تقدر عليه، {قَالَ إِنَّمَا الْعِلْمُ عِنْدَ اللَّهِ وَأُبَلِّغُكُمْ مَا أُرْسِلْتُ بِهِ وَلَكِنِّي أَرَاكُمْ قَوْمًا تَجْهَلُونَ} [الأحقاف:٢٣]، فوصفهم بالجهل؛ لأنهم يجهلون قدرة الله عز وجل، ويجهلون قوة الله سبحانه، ويجهلون فضل الله عز وجل عليهم، فهو الذي أعطاهم ما يجعلهم يعبدونه وحده، ويجهلون ضعف أنفسهم وحقارة أبدانهم التي ظنوا أنها تقيهم أو ينتفعون بها، فحذرهم نبيهم عليه الصلاة والسلام، {وَاذْكُرُوا إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفَاءَ مِنْ بَعْدِ قَوْمِ نُوحٍ وَزَادَكُمْ فِي الْخَلْقِ بَسْطَةً فَاذْكُرُوا آلاءَ اللَّهِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} [الأعراف:٦٩]، وهذا مما دعاهم إلى أن يتطاولوا على نبيهم صلوات الله وسلامه عليه عندما دعاهم إلى الله، وحذرهم منه، وكأنه يقول لهم: إذا كان الله زادكم بسطة في الجسم، وبسطة في الهيئة، فاذكروا ما صنع بقوم نوح من قبلكم، فقد عمروا أكثر منكم، ومع ذلك جاءهم العذاب من عند الله، فقالوا: {أْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ * قَالَ إِنَّمَا الْعِلْمُ عِنْدَ اللَّهِ وَأُبَلِّغُكُمْ مَا أُرْسِلْتُ بِهِ وَلَكِنِّي أَرَاكُمْ قَوْمًا تَجْهَلُونَ} [الأحقاف:٢٢ - ٢٣]، فأي نبي وأي رسول لا يملك مجيء العذاب لقومه، فالله يأتي بعذابه وقت ما يشاء، والنبي صلى الله عليه وسلم إنما عليه أن يحذرهم وينذرهم غضب الله سبحانه، أما أنه يملك مجيء العذاب فهذا لا يملكه، وإنما الله عز وجل يفعل ما يشاء في الوقت الذي يريده سبحانه وتعالى، وقد يظن الإنسان أن هؤلاء يستحقون العقوبة العاجلة فيؤخرها الله عز وجل، وقد يظن أن هؤلاء يستحقون العذاب فيعفو الله عز وجل عنهم، فلا يملك نبي لقومه شيئاً إلا أن يدعو قومه إلى الله عز وجل، أما أنه يأتي بالعذاب فهذا ليس بيده، ولذلك قال لهم نبيهم عليه الصلاة والسلام: ((قَالَ إِنَّمَا الْعِلْمُ عِنْدَ اللَّهِ) أي: أن وقت هلاككم هو إلى الله عز وجل، وإنما علي البلاغ، ((وَأُبَلِّغُكُمْ مَا أُرْسِلْتُ بِهِ وَلَكِنِّي أَرَاكُمْ قَوْمًا تَجْهَلُونَ))، فأي أخلاق من هذا الكافر عندما يستعجل العذاب! وعندما يطلب العقوبة من الله عز وجل.

وإن من أخلاق الكفار: العلو في الأرض بغير الحق، والإفساد في الأرض، والتعالي على رسل الله عليهم الصلاة والسلام، وعدم الإيمان بالله سبحانه، فهؤلاء صنعوا ذلك، وربنا يذكر نبيه صلى الله عليه وسلم بهؤلاء القوم الذين يشبه صنيعهم صنيع قريش مع النبي صلى الله عليه وسلم، قال تعالى: ((قُلْ مَا كُنْتُ بِدْعًا مِنَ الرُّسُلِ)) [الأحقاف:٩]، فهذا الذي ابتدأ الله عز وجل بذكره في هذه السورة: {قُلْ مَا كُنْتُ بِدْعًا مِنَ الرُّسُلِ وَمَا أَدْرِي مَا يُفْعَلُ بِي وَلا بِكُمْ إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَى إِلَيَّ} [الأحقاف:٩]، لذلك ربنا يذكر بالأنبياء السابقين، فنفس الذي قاله الأنبياء السابقون، ((قَالَ إِنَّمَا الْعِلْمُ عِنْدَ اللَّهِ)) هو الذي قاله النبي صلى الله عليه وسلم، ((وَمَا أَدْرِي مَا يُفْعَلُ بِي وَلا)) أي: لا ندري متى نموت؟ وبأي طريقة يكون الموت؟ فعلم ذلك عند الله عز وجل ((َمَا أَدْرِي مَا يُفْعَلُ بِي وَلا بِكُمْ))، فكذلك من قبل قال هذا النبي الكريم هود عليه الصلاة والسلام.

والكفار الذين قالوا للنبي صلى الله عليه وسلم: عجل لنا العذاب، {رَبَّنَا عَجِّلْ لَنَا قِطَّنَا قَبْلَ يَوْمِ الْحِسَابِ} [ص:١٦]، قد قاله السابقون قبلهم، قال الله على لسانهم: {ائْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا إِنْ كُنتَ مِنَ الْمُرْسَلِينَ} [الأعراف:٧٧]، وكذلك هؤلاء اللاحقون عندما دعوا على أنفسهم: {اللَّهُمَّ إِنْ كَانَ هَذَا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مِنَ السَّمَاءِ أَوِ ائْتِنَا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ} [الأنفال:٣٢]، أليس هذا يدل على جهلهم؟ فقال لهم نبيهم السابق هود عليه الصلاة والسلام: ((وَلَكِنِّي أَرَاكُمْ قَوْمًا تَجْهَلُونَ))، فالجهل موجود في الأمم الماضية.

وكذلك البعد عن الله عز وجل، وطلب ما لا يحل لهم، فبنو إسرائيل جاءهم نبيهم يدعوهم إلى الله سبحانه وتعالى، فإذا بهم بمجرد ما ينجيهم الله يقولون: {اجْعَل لَنَا إِلَهًا كَمَا لَهُمْ آلِهَةٌ قَالَ إِنَّكُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ} [الأعراف:١٣٨]، فهذا هو الجهل، والبعد عن الله سبحانه، وطلب ما لا يحل.

فكذلك هنا ذكر الله عز وجل عن نبيهم أنه قال: ((وَلَكِنِّي أَرَاكُمْ قَوْمًا تَجْهَلُونَ)) أي: باستعجالكم عذاب الله سبحانه وتعالى.

<<  <  ج:
ص:  >  >>