[تفسير قوله تعالى: (إن هذه أمتكم أمة واحدة وأنا ربكم فاعبدون)]
الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، اللهم صل وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحابته أجمعين.
قال الله عز وجل في سورة الأنبياء عليهم الصلاة والسلام: {إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ * وَتَقَطَّعُوا أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ كُلٌّ إِلَيْنَا رَاجِعُونَ * فَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلا كُفْرَانَ لِسَعْيِهِ وَإِنَّا لَهُ كَاتِبُونَ * وَحَرَامٌ عَلَى قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا أَنَّهُمْ لا يَرْجِعُونَ * حَتَّى إِذَا فُتِحَتْ يَأْجُوجُ وَمَأْجُوجُ وَهُمْ مِنْ كُلِّ حَدَبٍ يَنسِلُونَ} [الأنبياء:٩٢ - ٩٦].
ذكر الله سبحانه وتعالى لنا ذكراً عن بعض أنبيائه ورسله عليهم الصلاة والسلام في الآيات السابقة، فذكر أسماء سبعة عشر من الأنبياء وأولادهم، ومنهم السيدة مريم عليها السلام، ومنهم ذو الكفل على أنه كان نبياً أو كان عبداً صالحاً.
بعد أن ذكر هؤلاء الأنبياء قال: {إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً} [الأنبياء:٩٢] إشارة إلى الأنبياء ومن تبعهم من الأقوام على دين الله سبحانه وتعالى، فالجميع أمة واحدة، ومجتمعون على شيء واحد، وهو توحيد الله سبحانه وتعالى.
فدين الله هو دين الإسلام الذي ارتضاه لعباده، والذي قال فيه سبحانه: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلامَ دِينًا} [المائدة:٣].
فالله سبحانه سمانا المسلمين، قال تعالى: {مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمينَ مِنْ قَبْلُ} [الحج:٧٨] يعني: إبراهيم على نبينا وعليه الصلاة والسلام أسلم نفسه وبدنه ووجهه لله، فوصفنا الله بوصف إبراهيم على نبينا وعليه الصلاة والسلام، وصار اسماً اختاره الله عز وجل لهذه الأمة أمة الإسلام، وإن كان دينه سبحانه هو دين الإسلام قبل ذلك، كما كان نوح إذ قال لربه: {وَأَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ} [يونس:٩٠].
قال ابن عباس: الأمة بمعنى: الدين، وقال: هو دين الإسلام، فقوله تعالى: {إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً} [الأنبياء:٩٢] يعني: هذا دينكم الذي جاءكم هو دين هؤلاء الأنبياء من قبلكم، وهو دين الإسلام، فذكر الله عز وجل الأنبياء من لدن نوح إلى النبي صلى الله عليه وسلم في هذه السورة وقال: {إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً} [الأنبياء:٩٢]، أي: هذا دينكم، وحاله أنه دين واحد من عند رب العالمين سبحانه وتعالى.
قال تعالى: {وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ} [الأنبياء:٩٢]، الرب واحد والدين واحد، فكيف يتوجه العباد لغير رب العالمين سبحانه بالعبادة.
وقوله تعالى: {وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ} [الأنبياء:٩٢] الجميع يقفون عليها بالسكون، ما عدا يعقوب يقف عليها بالياء: (وأنا ربكم فاعبدوني) وإذا وصلها أيضاً يصلها بالياء يقول: (فاعبدوني * وَتَقَطَّعُوا أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ} [الأنبياء:٩٣].