[تفسير قوله تعالى: (هذه جهنم التي كنتم توعدون)]
قال تعالى: {هَذِهِ جَهَنَّمُ الَّتِي كُنتُمْ تُوعَدُونَ} [يس:٦٣].
(هذه جهنم) الهاوية والعياذ بالله، جهنم النار المسعرة، وذكرنا قبل ذلك أن جهنم اسم من أسماء النار، وكأنها الدركة السفلى فيها، وهي مأخوذة من قول العرب: هذه ركية جهنام، أي: بئر بعيدة القرار، فاسمها جهنم يعني: بعدية القعر، التي يلقى الحجر من شفيرها فيصل إلى قعرها في سبعين سنة، كم عمق هذه النار، كم طولها وكم عرضها، نسأل الله العفو والعافية.
{هَذِهِ جَهَنَّمُ الَّتِي كُنتُمْ تُوعَدُونَ} [يس:٦٣]، التي أخفناكم منها، وقلنا: وعداً علينا حقاً أن نملأ الجنة من المؤمنين، وأن نملأ النار من الغاوين.
{اصْلَوْهَا الْيَوْمَ} [يس:٦٤]، (اصلوها) يصلى الشيء بمعنى: يحترق فيه، يصلى الفرن معناه: يدخل فيه فيحترق، فيقول: عانوا حرارتها، قاسوا من لهيبها.
{اصْلَوْهَا الْيَوْمَ} [يس:٦٤] لماذا؟ هل قال: لأننا قدرنا عليكم ذلك؟ لا، {بِمَا كُنتُمْ تَكْفُرُونَ} [يس:٦٤]، كفرتم؟ يقولون: نعم كفرنا، فإذاً ادخلوا النار جزاء بما كنتم تكفرون: {اصْلَوْهَا الْيَوْمَ بِمَا كُنتُمْ تَكْفُرُونَ} [يس:٦٤].
هذه جهنم البشعة الفظيعة التي جاء في حديث النبي صلى الله عليه وسلم في صحيح مسلم أنه قال عنها: (يؤتى بجهنم يومئذ لها سبعون ألف زمام، مع كل زمام سبعون ألف ملك يجرونها).
تخيل هذا العدد الضخم! هذه جهنم خلقها الله سبحانه تبارك وتعالى، وجعلها عذاباً لمن عصاه سبحانه، هي عظيمة، وقد وعدها الله عز وجل أن يملأها ممن كفر وممن عصاه سبحانه وتعالى، ولا تشبع أبداً، كلما ألقي فيها فوج تقول: هل من مزيد، حتى يسكتها الله سبحانه، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: (حتى يضع الجبار فيها قدمه فتقول: قط قط)، حينها تسكت ولا تطلب المزيد.
يلقى فيها الأفواج وتسألهم خزنتها: {أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَذِيرٌ * قَالُوا بَلَى قَدْ جَاءَنَا نَذِيرٌ فَكَذَّبْنَا وَقُلْنَا مَا نَزَّلَ اللَّهُ مِنْ شَيْءٍ إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا فِي ضَلالٍ كَبِيرٍ * وَقَالُوا لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا فِي أَصْحَابِ السَّعِيرِ * فَاعْتَرَفُوا بِذَنْبِهِمْ فَسُحْقًا} [الملك:٨ - ١١] بعداً وهلاكاً وتدميراً، {لِأَصْحَابِ السَّعِيرِ} [الملك:١١].
جهنم يأتي بها الملائكة يوم القيامة على هذه الهيئة، ضخمة جداً، ملائكة الله خلقهم الله سبحانه من نور، فهم قوة عظيمة جداً، ويكفي أن ملكاً من ملائكة الله سبحانه أهلك قرى المؤتفكة وحده، نزل جبريل فرفعهم بجناحه فقلبهم، قال سبحانه: {وَالْمُؤْتَفِكَةَ أَهْوَى * فَغَشَّاهَا مَا غَشَّى * فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكَ تَتَمَارَى} [النجم:٥٣ - ٥٥].
ملائكة الله أقوياء، {لا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ} [التحريم:٦]، يأتون يوم القيامة بأمر الله يحملون جهنم إلى الموقف، إلى حيث يريد الله تبارك وتعالى، ولها سبعون ألف زمام، والزمام هو المكان الذي يمسك منه الشيء، تقول: الحل أن أمسكها بيدها.
أما جهنم والعياذ بالله فلها سبعون ألف يد تمسك منها، كل يد من هذه الأيدي وكل زمام من أزمتها عليه سبعون ألف ملك.
(يؤتى بجهنم لها سبعون ألف زمام، مع كل زمام سبعون ألف ملك)، كم يكون هذا العدد؟! لو ضربنا سبعين ألفاً في سبعين ألف تساوي أربعمائة وتسعين مليوناً من ملائكة الله عز وجل يحملون جهنم، يؤتى بها ليخيف الله عز وجل بها من يشاء من خلقه.
وذكر في الحديث: (أنه يخرج عنق من النار له عينان تبصران، وأذنان تسمعان، ولسان ينطق، فيقول: وكلت بالجبارين، وكلت بالمتكبرين، وكلت بالمصورين)، وكل هذا العنق بأن يخطفهم من الموقف إلى نار جهنم، فيخطف، الإنسان الجبار العاصي لله سبحانه، المتجبر على خلق الله، القاسي القلب، العنيف الشرس في طباعه، يأخذ الناس بالقوة والقهر، يأخذ ما في أيديهم.
وبكل متكبر، إنسان فيه كبر، يختال بنفسه، ويرى نفسه أفضل من غيره من الخلق، فيوكل به عنق النار، فيأخذ هذا المتكبر من الموقف، ويلقيه في النار والعياذ بالله.
والثالث المصور، الإنسان الذي يصنع الصور، ويرسمها أو ينحت التماثيل وغير ذلك، وكل هذا العنق بهذا الذي يشبه نفسه بالخالق سبحانه وتعالى في النحت والتصوير.