للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[إباحة الله لنبيه أن يتزوج ما شاء]

ذكرنا أن النبي صلى الله عليه وسلم أباح له ربه سبحانه أن يتزوج ما شاء من النساء، فقال له ربه سبحانه: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَحْلَلْنَا لَكَ أَزْوَاجَكَ اللَّاتِي آتَيْتَ أُجُورَهُنَّ وَمَا مَلَكَتْ يَمِينُكَ مِمَّا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَيْكَ وَبَنَاتِ عَمِّكَ وَبَنَاتِ عَمَّاتِكَ وَبَنَاتِ خَالِكَ وَبَنَاتِ خَالاتِكَ اللَّاتِي هَاجَرْنَ مَعَكَ وَامْرَأَةً مُؤْمِنَةً إِنْ وَهَبَتْ نَفْسَهَا لِلنَّبِيِّ إِنْ أَرَادَ النَّبِيُّ أَنْ يَسْتَنكِحَهَا خَالِصَةً لَكَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ قَدْ عَلِمْنَا مَا فَرَضْنَا عَلَيْهِمْ فِي أَزْوَاجِهِمْ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ لِكَيْلا يَكُونَ عَلَيْكَ حَرَجٌ} [الأحزاب:٥٠].

فالله سبحانه وتعالى أحل للنبي صلى الله عليه وسلم أن يتزوج ما شاء من النساء بهذا القيد الذي في هذه الآية، وقال له سبحانه وتعالى: {وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا} [الأحزاب:٥٠].

وتزوج النبي صلى الله عليه وسلم ودفع المهور، وأحل الله له ذلك.

كذلك أباح له الله سبحانه ملك اليمين، أي: ما ملك من سبي، فالله عز وجل أباح له وطأهن بملك اليمين.

وملك اليمين شيء والزواج شيء آخر، إنسان يتزوج المرأة فلا يملك منها سوى العشرة، يعيش معها ويملك منها أنه يطأها، لكن ليست أمة عنده يأخذها ويبيعها مثلاً أو يتنازل عنها لغيره؛ لأنه عقد زواج بين الرجل وبين ولي المرأة برضا المرأة وبالشهود وبالإعلام في ذلك، فالإنسان يعيش مع زوجته بالمعروف، فإذا لم تكن هنا عشرة بالمعروف يطلقها، فالنكاح عقد بين الرجل وبين ولي المرأة على أن يستمتع الرجل بهذه المرأة عشرة زوجية معلومة، فهو لا يملك هذه المرأة وإنما يملك الاستمتاع ببضعها.

لكن ملك اليمين أن يملك المرأة كما يملك الشيء، فكان العبيد يباعون، تباع المرأة ويباع الرجل فيجوز للرجل أن يشتري الأمة ويجوز له أن يطأها بملك اليمين؛ فيملك أن يبيعها، ويملك أن ينتفع بها، فهي أمة عنده، فأباح الله عز وجل للنبي صلى الله عليه وسلم ولغيره أن يملك ما شاء من الإماء.

كانت الإماء في زمن من الأزمان موجودات، لكن الآن ليس هناك عبيد ولا إماء، فالباقي الآن أن الإنسان يتزوج المرأة بالنكاح الشرعي المعروف.

فأباح الله عز وجل لنبيه صلى الله عليه وسلم أن يتزوج ما شاء من النساء وأباح له ملك اليمين، قال تعالى: {وَبَنَاتِ عَمِّكَ وَبَنَاتِ عَمَّاتِكَ وَبَنَاتِ خَالِكَ وَبَنَاتِ خَالاتِكَ} [الأحزاب:٥٠]، بقيد ليست أي بنات عم، ولا أي بنات خال وإنما: {اللَّاتِي هَاجَرْنَ مَعَكَ} [الأحزاب:٥٠]، فهن لهن فضيلة أن هاجرن مع النبي صلى الله عليه وسلم، والتي لم تهاجر لم يحل الله له أن يتزوجها.

فعلى ذلك إن كانت من آل بيته عليه الصلاة والسلام فإنما شرفها بهجرتها إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فالقيد في بنات عمك وبنات عماتك وبنات خالك وبنات خالاتك هو أنهن اللاتي هاجرن معك.

كذلك أباح له: {وَامْرَأَةً مُؤْمِنَةً إِنْ وَهَبَتْ نَفْسَهَا لِلنَّبِيِّ} [الأحزاب:٥٠]، امرأة مؤمنة جاءت تهب نفسها للنبي صلى الله عليه وسلم تريد أن تكون زوجة له، والنبي صلى الله عليه وسلم أولى بالمؤمنين من أنفسهم، فعلى ذلك إذا وهبت امرأة نفسها للنبي صلى الله عليه وسلم جاز له أن يتزوجها، وجاز له أن يزوجها لأحد من أصحابه عليه الصلاة والسلام، فهو أولى بها من نفسها.

فقوله تعالى: {إِنْ وَهَبَتْ نَفْسَهَا لِلنَّبِيِّ إِنْ أَرَادَ النَّبِيُّ أَنْ يَسْتَنكِحَهَا} [الأحزاب:٥٠] هذه الصورة {خَالِصَةً لَكَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ} [الأحزاب:٥٠]، فليس لأحد أن يقول: فلانة وهبت نفسها لي، ولكن النبي عليه الصلاة والسلام أولى بالمؤمنين من أنفسهم، فهو الذي يجوز له ذلك.

والله عز وجل قال: {قَدْ عَلِمْنَا مَا فَرَضْنَا عَلَيْهِمْ فِي أَزْوَاجِهِمْ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ} [الأحزاب:٥٠] {فَرَضْنَا عَلَيْهِمْ فِي أَزْوَاجِهِمْ} [الأحزاب:٥٠] يعني: أنه لك مثنى وثلاث ورباع ليس لك أكثر من ذلك، وملك اليمين لك أن تطأ ما شئت إن وجد ذلك.

قال الله سبحانه: {لِكَيْلا يَكُونَ عَلَيْكَ حَرَجٌ} [الأحزاب:٥٠]، أي: لئلا يكون عليك حرج في هذا النكاح، فرفع الله عز وجل عنه الحرج صلوات الله وسلامه عليه، في أن يقول له أحد: لماذا؟ يقال: يفعل الله ما يشاء، فقد أباح لنبيه صلى الله عليه وسلم ما لم يبح لغيره والتشريع بيد الله، وهذه شريعة الله عز وجل، يبيح ما يشاء ويمنع ما يشاء، ويحل ما يشاء لمن يشاء من عباده، فاختار نبيه صلى الله عليه وسلم وأباح له ذلك.

وذكرنا الحكمة أو بعضاً من الحكم في زواج النبي صلى الله عليه وسلم من مجموعة من النساء، وأعظم الحكم في ذلك الدعوة إلى الله سبحانه وتعالى، فامرأة واحدة لا تكفي لتبليغ هذه الشريعة، فقد تتعب وقد تمرض، فيحتاج النبي صلى الله عليه وسلم لعدد من النساء يبلغن ما أمر الله عز وجل، قال تعالى: {وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ وَالْحِكْمَةِ} [الأحزاب:٣٤]، فأمر الله سبحانه نساء النبي صلى الله عليه وسلم بأن يبلغن هذا الدين، ولا تكفي واحدة فاحتاج النبي صلى الله عليه وسلم أن يتزوج مجموعة من النساء.

<<  <  ج:
ص:  >  >>