[تفسير قوله تعالى: (كل نفس ذائقة الموت)]
قال الله سبحانه: {كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ} [العنكبوت:٥٧]، فهذه نهاية كل إنسان، فلا أحد سيخلد في هذه الدنيا، وطالما أن الله عز وجل أمرنا بعبادته فلنعبد الله سبحانه، وإذا ضُيق على الإنسان في مكان فليخرج إلى مكان آخر، فلا يمكث في مكان يفتن فيه، ويبتعد عن دين الله، ثم يقول: أنا معذور، يكفر بالله سبحانه ويقول: أنا معذور، ويفعل أفعال الفساق ويقول: أنا معذور، فطالما أنه يستطيع أن يخرج إلى مكان آخر فليبتعد عن الفساق وعن الظلمة والكفار، وليعبد الله سبحانه وتعالى، فأرض الله واسعة.
فلا أحد سيفر من الموت، فإن الموت محيط بالإنسان، ومهما أمل الإنسان في العيش وفي الحياة فإنه في نهاية المطاف سيأتيه الموت من حيث لا يدري، ومن حيث لا يحتسب: (كل إنسان يغدو فمعتق نفسه أو موبقها)، وكما ذكر النبي صلوات الله وسلامه عليه، فإن الإنسان يأتي عليه الصباح لا يدري هل سيكمل باقي يومه أو يموت في هذا اليوم؟ وهل سيموت على طاعة أم يموت على معصية؟ وقد أخبرنا الله عز وجل أن الموت يأتي للإنسان بغتة، فبعد أن كان في الدنيا إذا به عند الله سبحانه، وبعد أن كان في ظهر الأرض إذا هو في بطنها.
فمن عمل صالحاً فإنه يستبشر حين يلقى الله سبحانه وتعالى بعمله الصالح؛ كجهاده في سبيل الله وغيره من الأعمال الصالحة، أما الإنسان الذي يفر من الله، فإنه مهما فر فإن الموت محيط به، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (وقد رسم لأصحابه خطوطاً على الأرض، فقال هم الخط الأول: (هذا الإنسان، وخط بعده بقليل وقال: وهذا أجله، وخط بعده بكثير وقال: وهذا أمله).
فالإنسان يريد أن يحقق أمله وأمله بعيد جداً، فبينما هو ينظر إلى الأبعد إذ جاءه الأقرب، فليس كل ما يؤمله الإنسان سيأخذه، وأسعد الناس الذي يأتيه موته وهو مطيع لله سبحانه وتعالى، انظروا إلى الشيخ أحمد ياسين رحمة الله عليه، وكيف قتله اليهود لعنة الله عليهم، ولكم أن تعتبروا بهذا الرجل فقد ختم الله عز وجل له بالعمل الصالح فقد صلى الفجر ثم خرج فقتل شهيداً، فلعله ما كان يحلم بهذا الشيء، فإنه لم يكن يقاتل بسلاح ولا في يديه مدفع، وجاءته الشهادة وهو خارج في ذمة الله سبحانه وتعالى، وهذه بشارة من الله سبحانه وتعالى، فمن كان يدري أن الشهادة ستأتيه في هذا الوقت، نسأل الله عز وجل أن يجعله من الشهداء، وأن يسكنه الجنة.
ولعل الإنسان يرى المنظر فضيعاً جداً، أن يسقط على إنسان صاروخ أو قنبلة أو يأكله قطار، أو تدوسه سيارة، إنه منظر صعب ورهيب جداً، ولكن الحقيقة أن الشهيد عند الله عز وجل له أجر عظيم، ففي الوقت الذي يأتيه حتفه لا يشعر بشيء، (ما يجد الشهيد من مس القتل إلا كما يجد أحدكم من مس القرصة)، فالبعوضة تقرص الإنسان فلا يحس بها، وكذلك الشهيد، حتى وإن كان المنظر أمام الناس منظراً مروعاً ومنظراً صعباً، ولكن النبي صلى الله عليه وسلم يطمئنهم ويقول لهم: لا تخافوا على الشهيد، فإن الله أرأف به منكم، فالله عز وجل يجعل هذا الشيء الهائل الذي تراه شيئاً يسيراً جداً، ويبشر الشهيد بالحور العين تستقبله، ويغفر له في أول دفعة من دمه، ويرى منزله من الجنة، وغير ذلك من خصائص الشهيد عند رب العالمين سبحانه.
فـ أحمد ياسين قتل في سبيل الله سبحانه وتعالى نحسبه على يد الكفار، يقول عمر رضي الله عنه وقد قتله أبو لؤلؤة المجوسي لعنة الله عليه، لـ ابن عباس: اذهب فانظر من قتلني، فيذهب ويبحث ثم يقول له: قتلك أبو لؤلؤة، فقال عمر: الحمد لله الذي لم يجعل قتلي على يد أحد من المسلمين، فقد كان يخاف أن يكون رجلاً من المسلمين ظلمه مثلاً فقتله.
وعمر بن الخطاب كان يسأل الله عز وجل الشهادة، ويقول: اللهم ارزقني شهادة في بلد نبيك صلى الله عليه وسلم، فيتعجبون له، كيف تقتل في بلد النبي صلى الله عليه وسلم والجهاد بعيد عنها؟! والبلد دار إيمان، وكل الذين فيها مسلمون، فيقول: يأتي بها الله إن شاء، وليس في قلب عمر أنه سيموت هذه الموتة رضي الله تعالى عنه، فإذا بالشهادة تأتي إليه وهو في المحراب يصلي بالناس رضي الله عنه، والموت يأتي للإنسان بغتة، يا ترى هل كان عمر رضي الله عنه وهو ذاهب يصلي يدري أن أحداً سيقتله، لم يكن يدري رضي الله تعالى عنه، وكذلك كل إنسان، فطالما أننا لا ندري متى يأتي علينا الموت فليكن العمل الصالح دائماً هو هدفنا.
مرة من المرات أحد إخواننا صلى معنا الفجر، ثم ذهب، فلما وصل عند سكة الحديد داسه القطار، نرجو له الشهادة عند الله سبحانه وتعالى، والذي صلى الفجر هو في ذمة الله عز وجل، والله عز وجل يحذرنا على لسان النبي صلى الله عليه وسلم من أذى هذا الإنسان الذي صلى الفجر في جماعة.
ولذلك نستبشر خيراً لمقتل الشيخ أحمد ياسين رحمة الله عليه، نسأل الله أن يسلط على اليهود من يبيدهم، وأن يزيلهم، وأن يدمرهم تدميراً هم ومن يدافع عنهم، كما نسأله سبحانه أن ينصر الإسلام والمسلمين، وأن يدمر الكفرة والمجرمين، اللهم احصهم عدداً، واقتلهم بدداً، ولا تغادر منهم أحداً.
يقول الله سبحانه: {كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ ثُمَّ إِلَيْنَا تُرْجَعُونَ} [العنكبوت:٥٧]، أي: المرجع إلى الله عز وجل، فأعد الجواب الذي ستقوله لله عز وجل.