استشار النبي صلى الله عليه وسلم المؤمنين في هذا الحدث تطبيقاً لأمر الله له بالمشاورة، قال تعالى:{وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ}[آل عمران:١٥٩].
ومدح الله النبي صلى الله عليه وسلم والمؤمنين بالمشاورة، فقال:{وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ}[الشورى:٣٨]، فاستشار النبي صلى الله عليه وسلم المؤمنين في هذا الأمر، فكل واحد من المؤمنين أشار بشيء، وأشار سلمان الفارسي رضي الله عنه بأن يحفروا خندقاً حول المدينة يحول بينهم وبين الكفار بحيث إن الكفار لا يقدرون على العبور إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وكانت فكرة سلمان فكرة حسنة، فقال للنبي صلى الله عليه وسلم: يا رسول الله! إنا كنا بفارس إذا حوصرنا خندقنا، بحيث إنهم لا يقدرون على العبور إلينا، فحفر المسلمون الخندق مجتهدين في ذلك.
وكان المسلمون يحفرون الخندق، ويتعبون أنفسهم، ويبذلون جهدهم، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يحفر كما يحفرون، ويحمل الحجارة ويحمل التراب، حتى كان التراب يتناثر على صدره وبطنه وملابسه صلوات الله وسلامه عليه.
والمنافقون كانوا كعادتهم لا يساعدون في شيء وإنما يتسللون لواذاً، أما المؤمنون فقد فعلوا أفعالاً عظيمة، وصنعوا مع النبي صلى الله عليه وسلم كل صنيعة كريمة، فأنزل الله سبحانه وتعالى آيات يمدح فيها المهاجرين والأنصار، أما المنافقون فأنزل فيهم ما فضحهم به من آيات.
وقسم النبي صلى الله عليه وسلم حفر الخندق على المسلمين، كل مجموعة تحفر جزءاً من الخندق، حتى إذا أتمت المجموعة ما عليها من حفر انطلقت لمساعدة غيرها من المجموعات، فكان المؤمنون كمثل الجسد الواحد رضوان الله تبارك وتعالى عليهم.
ولما أشار سلمان بحفر الخندق وجد المسلمون في هذا الخندق شيئاً غريباً، فإذا بهم يختلفون فقال المهاجرون: سلمان منا؛ لأن سلمان مهاجر مثلهم، وقال الأنصار: سلمان منا؛ لأنه كان في المدينة، ففصل النبي صلى الله عليه وسلم بينهم وقال:(سلمان منا أهل البيت)، فالنبي صلى الله عليه وسلم مدح سلمان وجعل له هذه المزية العظيمة.