[حرية الإنسان مقيدة بضوابط الشرع]
إن مجتمع الإسلام فيه الحرية المقيدة بطاعة الله سبحانه، ولا يوجد في الإسلام حرية مطلقة بحيث إن الإنسان يفعل ما يشاء بدون ضوابط، وإنما حريتك محدودة فيما أباحه لك ربك سبحانه، والإنسان العاقل يتأمل في ذلك، فيعرف قدر هذا الإسلام العظيم، وقدر هذا الدين العظيم.
إذاً: ليس للإنسان أن يفعل ما يريد، فليس من حقه أن يطلع على ما يريد، أو يتجسس على الجيران وينظر إلى العورات، وإذا اعترض عليه أحد قال: أنا حر، أعمل ما أشاء، وإنما يقول لك الدين: لا، أنت لست حراً، وليست لك حرية إلا أن تنظر إلى ما أحل الله عز وجل لك، فإذا نظرت إلى ما حرم الله عز وجل عليك، عاقبك الله في الدنيا والآخرة.
أما في الدنيا فبالتعزير، فيعزر الإنسان الذي يصنع ذلك.
وأما في الآخرة فبالنار والعياذ بالله، ولذلك يجعل الله في قلب الإنسان ما يخيفه ويمنعه من الوقوع في الحرام، فلا يتأذى غيره به.
فلو قال شخص: أنا حر، ومشى في الشارع رافعاً صوته ويسب ويعمل ما يريد لقال له الإسلام: لا، لست حراً في ذلك، لا ترفع صوتك فتؤذي غيرك، فإذا فعلت ذلك عزرك الحاكم، وعزرك القاضي؛ لأنك تؤذي غيرك، وحريتك لا تعني أن تؤذي غيرك، ولكن كونك تأكل أنت حر، ومع ذلك بدون إسراف قال عز وجل: {وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلا تُسْرِفُوا} [الأعراف:٣١]، فأنت مقيد بعدم الإسراف في الأكل والشرب أيضاً، كذلك تأكل وتشرب مما أحل الله عز وجل لك، وليس مما حرمه الله سبحانه، فتجد أن الإسلام يعطيك حرية، ولكنها مقيدة بشرع الله سبحانه تبارك وتعالى، فأما الحرية المطلقة بحيث تعمل الذي تريده، فلا.
وانظر إلى الإنسان عندما يصل إلى الحرية المطلقة التي يريدها فإنه في النهاية يلغي شريعة ربنا سبحانه، ويشرع لنفسه ما يريد، ولا يحكمه في ذلك إلا شهواته وشبهاته، وما يريده من أسباب القوة، حتى لو ضيع غيره.
فالإنسان عدو لنفسه ولزوجه ولولده.
فإذا نظر إلى شهواته فإنه ينظر إلى مصلحته، ولا يهتم بغيره، ولكن الإسلام جاء ليقيدك بحدود الله سبحانه، فتلك حدود الله فلا تعتدوها.
فلا تتعدى الحلال فتقع في الحرام، ولا تقرب من الحرام وإلا أوشكت أن تواقعه وتقع فيه.
فحدود الله عز وجل عظيمة، تجعل الإنسان المسلم يستشعر أنه عبد لله سبحانه وتعالى، ويستشعر أنه يحب غيره ويحترم غيره، وأن له حقوقاً وعليه واجبات، كما أن لغيره حقوقاً وعليه واجبات.
ولذلك المجتمع المسلم يعيش في تكافل وفي احترام ومحبة، وفي حرية مقيدة بشرع الله سبحانه تبارك وتعالى.
وأما الإنسان الكافر فلا شيء يحده، فإذا به يخرج عن دين الله سبحانه، ويريد أن يأخذ ملاذ الدنيا جميعها، فتستعبده شهواته شيئاً فشيئاً، فيحصل على المال ولا يشبع، ويحصل على شهوات الجنس ولا يشبع، ويحصل على شهوات الدنيا إلى غاية النهاية ولكنه يجد نفسه مهموماً ولا يجد في الدنيا راحة، فيريد الموت، فيبدأ الأطباء يخترعون له الموت المريح، ويقولون: إن من حق الإنسان أن يموت موتاً مريحاً، ويصنعون له أدوات للموت؛ ليختار لنفسه كيف يموت، ومتى يموت.
فلو ترك الإنسان ونفسه فإنه في النهاية ينتحر ويضيع نفسه ويفني نفسه بنفسه، هذا لو ترك الإنسان وحده، ولكن تأتي شريعة رب العالمين سبحانه لتحافظ له على حياته وعلى بقائه، وعلى دوام الإنسانية، حتى يأتي أمر الله سبحانه تبارك وتعالى.