للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[مجادلة الله تعالى للكافرين بالحجج الباهرة]

قال الله عز جل في سورة المؤمنون: {بَلْ أَتَيْنَاهُمْ بِالْحَقِّ وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ * مَا اتَّخَذَ اللَّهُ مِنْ وَلَدٍ وَمَا كَانَ مَعَهُ مِنْ إِلَهٍ إِذًا لَذَهَبَ كُلُّ إِلَهٍ بِمَا خَلَقَ وَلَعَلا بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يَصِفُونَ * عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ * قُلْ رَبِّ إِمَّا تُرِيَنِّي مَا يُوعَدُونَ * رَبِّ فَلا تَجْعَلْنِي فِي الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ * وَإِنَّا عَلَى أَنْ نُرِيَكَ مَا نَعِدُهُمْ لَقَادِرُونَ} [المؤمنون:٩٠ - ٩٥].

بعد أن أخبر الله سبحانه وتعالى عن قدرته العظيمة، وأنه هو الذي أنشأ لعباده السمع والأبصار والأفئدة، وأنهم قليلاً ما يشكرون، وأنه الذي يحيي ويميت سبحانه وتعالى، وأنه له اختلاف الليل والنهار، ثم قال لعباده: {أَفَلا تَعْقِلُونَ} [المؤمنون:٨٠] وبعد أن ذكر قول هؤلاء الكفار المكذبين في إنكارهم للبعث بعد موتهم قال: {قَالُوا أَئِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا وَعِظَامًا أَئِنَّا لَمَبْعُوثُونَ * لَقَدْ وُعِدْنَا نَحْنُ وَآبَاؤُنَا هَذَا مِنْ قَبْلُ إِنْ هَذَا إِلَّا أَسَاطِيرُ الأَوَّلِينَ} [المؤمنون:٨٢ - ٨٣]، فزعموا أن هذا من خرافات ومن أكاذيب وأباطيل وترهات الأولين، أي: القول بأننا سنبعث مرة ثانية.

قال الله سبحانه مبيناً قدرته: {قُلْ لِمَنِ الأَرْضُ وَمَنْ فِيهَا إِنْ كُنتُمْ تَعْلَمُونَ} [المؤمنون:٨٤]، فالجواب من هؤلاء أنهم يثبتون أن الله عز وجل الخالق، وأنه الذي يفعل ما يريد سبحانه، فيقولون: إن الله يملك الأرض ويملك من فيها، فقال تعالى: {أَفَلا تَذَكَّرُونَ} [المؤمنون:٨٥]، أفلا تتدبرون أن الذي يخلق هو الذي يستحق أن يعبد.

{قُلْ مَنْ رَبُّ السَّمَوَاتِ السَّبْعِ وَرَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ * سَيَقُولُونَ لِلَّهِ} [المؤمنون:٨٦ - ٨٧]، فهم معترفون أن الله رب السماوات وأنه رب الأرض وأنه رب كل شيء سبحانه، قال الله: {قُلْ أَفَلا تَتَّقُونَ} [المؤمنون:٨٧] أي: إن اعترفتم بذلك أفلا تتقون هذا الخالق العظيم الذي يملككم وما تملكون، والذي خلق سماوات فلا تقدرون أن تعجزوه سبحانه لا في السماوات ولا في الأرض؟! ثم قال تعالى: {قُلْ مَنْ بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ} [المؤمنون:٨٨]، أي: بيده الملك كما قال سبحانه: {تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ} [الملك:١]، فهو يملك كل شيء سبحانه، والملكوت صيغة مبالغة من الملك، فهو المالك لكل شيء سبحانه، وله ملكوت كل شيء وحده لا شريك له، قال: {وَهُوَ يُجِيرُ وَلا يُجَارُ عَلَيْهِ} [المؤمنون:٨٨]، أي: لا أحد يمنع ما يريده الله سبحانه، ولا يغيث من يعذبه الله سبحانه وتعالى، بل هو الذي يجير، فإذا أردتم أن تفعلوا شيئاً فهو وحده الذي يقدر على منعكم من ذلك، وإذا أراد إنسان أن يوقع بآخر شيئاً من الأضرار فإن الله يقدر أن يمنع ذلك، وكذلك فلا أحد يجير من الله سبحانه وتعالى.

قال تعالى: {سَيَقُولُونَ لِلَّهِ} [المؤمنون:٨٩]، أي: الذي يفعل ذلك هو الله سبحانه وتعالى، وهو الذي يقدر عليه، {قُلْ فَأَنَّى تُسْحَرُونَ} [المؤمنون:٨٩]، أي: كيف تصدقون تخييل الشيطان لكم أنكم لا تبعثون؟! وبعد هذا كله قال تعالى: {بَلْ أَتَيْنَاهُمْ بِالْحَقِّ وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ} [المؤمنون:٩٠]، أضرب الله عن قولهم الذي يقولونه، ثم أخبر أنه قد جاءهم بالحق وبهذا الكتاب العظيم، وبالوعد الحق من عند رب العالمين، وإنهم لكاذبون يفترون على الله الكذب، وإنهم لكاذبون في دعواهم أن هذا القرآن أساطير الأولين.

<<  <  ج:
ص:  >  >>