[تفسير قوله تعالى:(الذين يخشون ربهم بالغيب وهم من الساعة مشفقون)]
قال تعالى:{الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ وَهُمْ مِنَ السَّاعَةِ مُشْفِقُونَ}[الأنبياء:٤٩].
فهؤلاء هم الذين تنفعهم الذكرى، وقد قال تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم:{وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنفَعُ الْمُؤْمِنِينَ}[الذاريات:٥٥] فإذاً: الذكرى لا تنفع أي أحد، وإنما الإنسان المؤمن.
فلا يتذكر بمواعظ الله عز وجل إلا الإنسان التقي الذي يخاف من الله، ولا يجتنب التذكرة، ويجتنب الموعظة ولا ينتفع بها إلا الإنسان الشقي، {الَّذِي يَصْلَى النَّارَ الْكُبْرَى}[الأعلى:١٢].
فهنا يخبرنا سبحانه عن هؤلاء المتقين الذين ينتفعون بالتذكرة، وهم الذين يخشون ربهم بالغيب، ويذكرون الله عز وجل ويخافون منه تبارك وتعالى.
ويذكرون بالساعة فيشفقون منها، فيذكرون الله عز وجل في غيبتهم عن الناس فلا ينتهكون محارم الله تبارك وتعالى، وكذلك إذا غابوا عن أعين الناس، فلم يرهم أحد استحيوا أن يقعوا في المعاصي، وخافوا أن ينتهكوا حدود الله وحرماته سبحانه وتعالى.
إذاً: فهم في حال حضورهم مع الناس أو غيبتهم عنهم لا يعصون الله سبحانه، ويخافونه سبحانه، والله غيب لم يروه، ولكن عرفوه من آياته وصفاته سبحانه وتعالى، فخافوا منه، فهم يخشون ربهم بالغيب، وهم من الساعة مشفقون، وهم من يوم القيامة خائفون وجلون، وإذا ذكروا بالساعة يبكون ويدعون ربهم سبحانه أن ينجيهم من هول الموقف يوم القيامة.
قال تعالى:{وَهَذَا ذِكْرٌ مُبَارَكٌ}[الأنبياء:٥٠] أي: وهذا القرآن العظيم مثل التوراة، فكما كانت التوراة فرقاناً بين الحق والباطل، كذلك هذا القرآن فرقان من رب العالمين، يفرق به بين الحق والباطل، وهو الذكر المبارك، قال تعالى:{وَهَذَا ذِكْرٌ مُبَارَكٌ أَنزَلْنَاهُ}[الأنبياء:٥٠] أي: ما جاء من عندك، ولا تكلمت أنت به من عند نفسك، ولكنه نزل من عند رب العالمين من السماء، فهذا ذكر مبارك، أي: فيه الخير، وفيه البركة، وفيه الثبوت، فهو ثابت لا يزول أبداً.
قال تعالى:{وَهَذَا ذِكْرٌ مُبَارَكٌ أَنزَلْنَاهُ أَفَأَنْتُمْ}[الأنبياء:٥٠]، أي: يا معشر العرب، ويا معشر من جاءكم هذا القرآن أفأنتم له منكرون؟ أفتنكرون هذا القرآن العظيم وقد تحداكم ربنا سبحانه بما فيه فلم تقدروا على سورة من مثله، وهو معجز لكم، لا تقدرون على الإتيان بمثله؟ ثم شرع يذكر لنا من قصص الأنبياء على نبينا وعليهم الصلاة السلام.