للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[تفسير قوله تعالى: (أولئك الذين لعنهم الله)]

قال تعالى: {أُوْلَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَى أَبْصَارَهُمْ} [محمد:٢٣].

هذه الرحم التي أمرنا الله عز وجل في كتابه أن نصلها، قال: {وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ} [النساء:٣٦] فوصية من الله سبحانه بكل هؤلاء: الأرحام، والجيران، والأصدقاء، والأصحاب، والمؤمنين عامة، اهتموا بشئون هؤلاء جميعهم، وصلوا أرحامكم، وصلوا المؤمنين، ولا تقطعوا الوشائج بينكم وبينهم، فمن قطعها فأولئك الذين لعنهم الله، وأبعدهم وطردهم من رحمته سبحانه، {فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَى أَبْصَارَهُمْ} [محمد:٢٣].

(أصمهم) أصم آذانهم، (وأعمى أبصارهم) وقد ذكر الله عز وجل فقال: {وَإِذَا رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ أَجْسَامُهُمْ وَإِنْ يَقُولُوا تَسْمَعْ لِقَوْلِهِمْ} [المنافقون:٤] أجسامهم جميلة وصحيحة، فيها العافية.

وقوله: (أعمى أبصارهم) هل هم عميان؟ كأن المعنى هنا: أبصارهم كلا أبصار، وأسماعهم كلا أسماع.

إذاً: كأنهم لا سمع معهم كأنهم طرش؛ لأنهم لا يسمعون ما ينفعهم، وإنما يسمعون ما يضرهم، فلا يبصرون فيعتبرون، ولكن ينظرون إلى ما يضرهم، فيسمعون إلى كلام المنافقين، ولا يسمعون للنبي صلى الله عليه وسلم ليهتدوا به.

فالمنافقون ينظرون إلى العورات، ويتجسسون على المؤمنين، أما أن ينظروا في كتاب الله وفي آيات الله سبحانه تبارك وتعالى في الكون فيعتبرون فلا، فكأنهم لا ينتفعون بأسماعهم، ولا بأبصارهم، فهم عمي الأبصار، إذاًَ العمى هنا راجع إلى البصائر والقلوب، فسمع لا ينفع، وبصر لا يرى الحق، فكأنهم لا شيء عندهم.

ولذلك وصف الله عز وجل الكفار بأنهم لا يعلمون، قال تعالى: {يَعْلَمُونَ ظَاهِرًا مِنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا} [الروم:٧] كأن العلم بالدنيا ليس هو العلم الحقيقي، وإنما هو علم قاصر، وليس معناه: أنك لا تتعلم شئون الدنيا، ولكن لا يكون تعلم الدنيا للدنيا، وإنما تتعلم لتنتفع عند الله سبحانه تبارك وتعالى، قال تعالى: {إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ} [فاطر:٢٨].

فالعلم الذي يورث الخشية في القلب هو العلم المطلوب الذي ينفعك عند الله سبحانه تبارك وتعالى، أما العلم الذي يورث الغرور والتيه والفخر على الخلق فهذا لا ينتفع به أي إنسان، قال تعالى: {أُوْلَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَى أَبْصَارَهُمْ} [محمد:٢٣]، الذين لم يستمعوا القول فيتبعون أحسنه، والذين لم يطيعوا الله ولا رسول الله صلى الله عليه وسلم، والذين إذا ولاهم الله وأعطاهم ولاية إذا بهم يقطعون أرحامهم، ولا يعرفون لأحد فضله ولا حقه.

<<  <  ج:
ص:  >  >>