للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[فضل الصبر]

وأما عن فضل الصبر فيقول النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث: (ما أعطي عبد عطاء خيراً له ولا أوسع من الصبر)، فالله يرزق العبد الكثير من فضله، ومن أعظم ما يعطيه الله عز وجل للعبد الصبر، فيتجلد لما ينزل به من عند الله سبحانه ويصبر، ويطيع الله سبحانه ولا يعصيه ويصبر على الآلام والأوجاع، وعلى أذى الكفار والمشركين، وعلى الدفاع عن هذا الدين، فيدافع عنه ويجاهد أعداءه ويصبر في ذلك.

ومما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم في فضل الصبر أيضاً.

قوله: (إذا أحب الله قوماً ابتلاهم، فمن رضي فله الرضا، ومن سخط فله السخط)، فيبتليهم الله عز وجل بما يشاء ليرفع درجاتهم ويكفر خطاياهم ويعطيهم من فضله سبحانه، فإذا رضي الإنسان عن ربه سبحانه وصبر فله الرضا.

وقد كان نبينا صلى الله عليه وسلم أعظم الراضين عن ربه سبحانه وتعالى، فكان يصبر ويرضى، ففي يوم أحد لما هزم المسلمون هزيمة شديدة وصعبة وقتل فيها عمه حمزة وبقرت بطنه رضي الله تبارك وتعالى عنه، ورأى صلى الله عليه وسلم في أصحابه قتلاً شنيعاً صعباً، فعندما انتهى القتال قال: (قوموا نحمد الله، فأقام أصحابه وراءه صفاً، وقام حامداً ربه سبحانه وتعالى بمحامد ذكرها صلوات الله وسلامه عليه، فقال: لا مانع لما أعطيت ولا معطي لما منعت)، وذكر كلاماً كثيراً صلوات الله وسلامه عليه، فحمد ربه سبحانه وتعالى ثم تعوذ بالله سبحانه وتعالى من الخوف يوم القيامة ومن الفزع الأكبر ومن يوم العيلة ومن غيرها.

فيحمد ربه وهو في موقف الضعف وهو في موقف الهزيمة، فقد كان يحمد الله على كل حال ليعلم المؤمنين ألا يتسخطوا على ربهم أبداً.

وقال صلى الله عليه وسلم: (عجباً لأمر المؤمن إن أمره كله له خير، إن أصابته سراء شكر فكان خيراً، وإن أصابته ضراء صبر فكان خيراً له)، وهذا كما في الحديث السابق: (فمن رضي فله الرضا).

فالإنسان إذا نزلت به المصيبة إما أن يصبر صبر الكرام، وإما أن يسلو سلو البهائم، فالبهيمة عندما تنزل بها المصيبة تصرخ مدة ثم تسكت، فإذا كان الإنسان يصرخ كذلك إذا نزلت به البلية ثم في النهاية يسكت فقد أشبه البهيمة، وأما إذا تصبر وانتظر أمر الله سبحانه وقال: يا رب يا رب، وطلب الفرج من الله عز وجل فهذا صبر الكرام، فإما أن يصبر صبر الكرام وإما أن يسلو سلو البهائم، ومن رضي عن الله فله الرضا، أي: يرضى الله سبحانه وتعالى عنه، وإذا رضي الله عنه جعل قلبه مليئاً بالرضا.

وكم رأينا من بلاء ينزل بالصالحين فيصبرون الصبر العظيم، وأعظم من صبر أيوب على نبينا وعليه الصلاة والسلام، فقد أعطاه الله عز وجل المال فصبر وحمد الله، ثم أخذ منه المال والصحة والولد فصبر وحمد الله سبحانه وتعالى، واستمر ثمان عشرة سنة في البلاء، فجعله الله آية للخلق في الصبر العظيم، وقد أمر النبي صلى الله عليه وسلم أن يقتدي بهؤلاء، قال تعالى: {فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُوْلُوا الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ} [الأحقاف:٣٥]، وقال تعالى: {اصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ} [غافر:٧٧].

نسأل الله عز وجل أن يعيننا على ذكره وشكره وحسن عبادته.

أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم، وصل اللهم وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

<<  <  ج:
ص:  >  >>