سورة الأحقاف هي السورة السادسة والأربعون من كتاب الله عز وجل، وهي السورة السابعة في عداد الحواميم بحسب ترتيب نزلوهن، وهن سبع سور من آل حاميم، أولهن غافر، ثم فصلت، ثم الشورى، ثم الزخرف، فالدخان فالجاثية، وهذه السورة سورة الأحقاف.
فهذه سبع سور كلهن بدأهن الله عز وجل بالحرفين:((حم))، وهذه السورة في ترتيب نزولها في القرآن على النبي صلى الله عليه وسلم السورة الخامسة والستون، وقد نزلت بعد الجاثية، ونزل بعدها الذاريات، هذا في ترتيب النزول، وأما في ترتيب المصحف فهي السادسة والأربعون.
وهي سورة مكية إلا آيتين منها، والآيتان هما قول الله عز وجل:{قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كَانَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَكَفَرْتُمْ بِهِ وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ}[الأحقاف:١٠]، هذا الشاهد هو عبد الله بن سلام، وقد كان في المدينة، وكذلك قول الله عز وجل للنبي صلى الله عليه وسلم:{فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُوْلُوا الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ وَلا تَسْتَعْجِلْ لَهُمْ كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَ مَا يُوعَدُونَ لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا سَاعَةً مِنْ نَهَارٍ}[الأحقاف:٣٥]، قالوا: أيضاً نزلت في المدينة.
وبما أن هذه السورة كما ذكرنا سورة مكية، ففيها إذاً خصائص السور المكية، ففيها التحدي للكفار بهذا القرآن العظيم، حيث بدأها عز وجل بقوله:((حم)) [الأحقاف: ١]، ولذلك عقب بعدها:{تَنْزِيلُ الْكِتَابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ}[الأحقاف:٢]، وهذه السورة في ترتيبها بعد السورة التي سبقتها -وهي سورة الجاثية- مناسبة، فهناك مناسبة بين ختم سورة الجاثية وبداية هذه السورة، فختمت الجاثية بقول الله عز وجل:{فَلِلَّهِ الْحَمْدُ رَبِّ السَّمَوَاتِ وَرَبِّ الأَرْضِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * وَلَهُ الْكِبْرِيَاءُ فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ}[الجاثية:٣٦ - ٣٧]، وبدأ هذه السورة بقوله:{حم * تَنْزِيلُ الْكِتَابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ}[الأحقاف:١ - ٢]، فهو رب السماوات ورب الأرض، وهو الذي أنزل الكتاب من السماء إلى الأرض رحمة بعباده سبحانه وتعالى، وإقامة للحجة عليهم، فناسب آخر هذه السورة بدء هذه السورة.
إن الحروف المقطعة في أوائل السور هي من جنس الحروف العربية التي يتكلم بها العرب، والله عز وجل يتحداهم، ولذلك دائماً ما تجد في السورة التي يبدؤها بذكر الحروف المقطعة، مثل:{الم}[البقرة:١]، {الر}[يونس:١]، {كهيعص}[مريم:١]، وغير ذلك من السور تجد فيها إشارة بعد ذلك إلى هذا القرآن، سواء إشارة مباشرة بعدها، أو بعدها بآيات، فيذكر الإشارة إلى هذا القرآن، ففي سورة البقرة قال تعالى:{الم * ذَلِكَ الْكِتَابُ لا رَيْبَ فِيهِ}[البقرة:١ - ٢]، وقال في آل عمران:{الم * اللَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ * نَزَّلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ}[آل عمران:١ - ٣]، وهنا يقول:{حم * تَنْزِيلُ الْكِتَابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ}[الأحقاف:١ - ٢]، وقبلها في الحواميم كذلك:{حم * تَنزِيلٌ مِنَ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ * كِتَابٌ فُصِّلَتْ آيَاتُهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا}[فصلت:١ - ٣]، إلى غير ذلك مما يذكره الله عز وجل.
فالله عز وجل كأنه يقول: هذا القرآن من جنس الحروف التي تتكلمون بها فائتوا بمثله، {فَأْتُوا بِعَشْرِ سُوَرٍ مِثْلِهِ}[هود:١٣]، {فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ}[البقرة:٢٣]، فما استطاعوا إلى ذلك سبيلاً.