[تجلي عظمة الله سبحانه في مخلوقاته]
تبعد الشمس عن الأرض حوالي: (١٥٠) مليون كيلو متر، بينما تقطع أشعة الشمس هذه المسافة من الشمس إلى الأرض في (٨) دقائق و (٠.
٣) جزء من الدقيقة، ولو أن الشمس اقتربت كيلو أو اثنين من الأرض لاحترقت الأرض بمن فيها، أو لتبخرت جبال الثلج الموجودة في الأرض ولمات الناس غرقا.
والإنسان في الصيف لا يستطيع أن يقف تحت الشمس لمدة طويلة، بل إن درجة الحرارة في الصيف في بعض البلدان تصل إلى (٦٠) درجة مئوية، حتى إن بعض البلدان تعلن للناس حظراً يقضي بعدم الخروج من المنزل للوظائف وغيرها بسبب حرارة الشمس الشديدة، وتبلغ درجة حرارة الغلاف الخارجي للشمس فقط: ستة آلاف درجة مئوية، أما درجة الحرارة في داخل الشمس فقد تصل إلى ستة ملايين درجة مئوية، وتخيل كيف سيصبح حال الإنسان يوم أن تدنو الشمس من رأسه يوم القيامة مقدار ميل؟ والميل يساوي كيلو وسبعمائة متر تقريباً، أي: اثنين كيلو إلا يسيراً، وبعضهم قال: بل هو ميل المكحلة: وهو العود الذي يوضع داخل المكحلة من أجل التكحل، فمن يطيق هذا الدنو أو ذاك؟! وفي ذلك اليوم يخفف سبحانه عمن يشاء من عباده، ويظل من يشاء في ظله يوم لا ظل إلا ظله -نسأل الله عز وجل أن يظلنا في ظله يوم لا ظل إلا ظله- تدنو الشمس من الرءوس يوم القيامة فيعرق الناس، فمنهم من يغطي عرقه قدميه، ومنهم من يغطي ساقيه إلى ركبتيه، ومنهم من يصل إلى حقويه، ومنهم من يغطي منكبيه، ومنهم من يغطي العرق رأسه، وهذا العرق الذي يصيب الإنسان إنما هو بسبب أنه لم يبذل في الدنيا، ولم يعرف الله سبحانه وتعالى، ولم يؤد حق الله سبحانه وتعالى في الدنيا، وهذا العرق تعذيب من الله عز وجل للإنسان في هذا الوقت على ما قصر في عبادته لربه سبحانه وتعالى.
وهنا أخبرنا الله سبحانه عن الشمس فقال: {وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لِأَجَلٍ مُسَمًّى} [فاطر:١٣]، أي: جعل هذه الشمس المشرقة المحرقة المشتعلة المتوقدة، كما قال: {وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ آيَتَيْنِ فَمَحَوْنَا آيَةَ اللَّيْلِ وَجَعَلْنَا آيَةَ النَّهَارِ مُبْصِرَةً لِتَبْتَغُوا فَضْلًا مِنْ رَبِّكُمْ وَلِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ} [الإسراء:١٢]، فجعل لنا ليلاً ونهاراً، فلو كان القمر مشتعلاً كالشمس لكانت الأرض كلها نهاراً، ولكن الله عز وجل جعل آية الليل القمر، وآية النهار الشمس، فالشمس تضيء للعباد، والقمر ينير، وقد كان القمر مشتعلاً يوماً من الأيام؛ بدليل قوله سبحانه وتعالى: {فَمَحَوْنَا آيَةَ اللَّيْلِ} [الإسراء:١٢].
أي: أن آية الليل -وهو القمر- كان كهذه الشمس آية مبصرة مشتعلة يخرج منه النور والنار، ولكن الله محاها وطمسها، قال: {فَمَحَوْنَا آيَةَ اللَّيْلِ وَجَعَلْنَا آيَةَ النَّهَارِ مُبْصِرَةً لِتَبْتَغُوا فَضْلًا مِنْ رَبِّكُمْ} [الإسراء:١٢] أي: لتنامون في الليل ولتبتغوا فضلاً من الله سبحانه وتعالى في النهار.
{وَلِتَعْلَمُوا} [الإسراء:١٢]، أي: بتعاقب الليل والنهار: {عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ} [الإسراء:١٢]، فلو جعل الأرض نهاراً بأسرها لما عرفنا الفرق بين يوم وآخر، فالله عز وجل جعل هذه آية من الآيات العجيبة جداً.
وقد اكتشف العلماء أن القمر كان مشتعلاً يوماً من الأيام، وأنه الآن منطفئ، وإن كانوا يقولون: إن باطنه ما يزال مشتعلاً.
فالله عز وجل يقول: {وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ} [فاطر:١٣]، فإذا ظهرت الشمس للعباد أتى النهار مباشرة، وإذا غابت الشمس أتى الليل بعدها مباشرة، قال: {وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَهَا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ * وَالْقَمَرَ قَدَّرْنَاهُ مَنَازِلَ} [يس:٣٨ - ٣٩]، وقد تحدث العلماء: أن القمر ينزل في برج من الأبراج كل ثلاثة عشر يوماً إلى أن يدور في العام كله في السنة الهجرية ثلاثمائة وأربعة وخمسين يوماً، فتنتهي بذلك السنة القمرية، وهذا كله لتعلم عدد السنين والحساب الذي تحسب به الليل والنهار.
فالله سبحانه سخر لعباده هذا الكون كله للعبادة، وقد قال أهل العلم: إنه اكتشفت مجرات عديدة جداً غير هذه المجرة التي تضم الأرض، وقد تصل المجرات المكتشفة إلى الآن إلى أكثر من أربعمائة مليار مجرة في هذا الكون، وكل مجرة تساوي المجرة التي نحن فيها بل بعضها أعظم وأضخم، وهذه أرقام عجيبة جداً، في حين أن العلماء كانوا يعتقدون بأن عدد المجرات كلها هو: مائة مليار مجرة، أما المجرة التي تضم كوكب الأرض فيها والمسماة: بدرب التبانة، فإن كتلتها تصل إلى (٢٣٠) مليار مرة قدر كتلة الشمس، فهي تكبر الشمس بـ (٢٣٠) مليار مرة، وهذه مجرة واحدة فما بالك بأربعمائة مليار مجرة؟! أرقام فوق الخيال والعقل.
وإذا تفكرت في الكون فلا تتفكر في رب الكون سبحانه، فإذا كنت لا تستطيع تخيل المجرة، فكيف بتخيل خالقها؟ فلا يجوز ذلك، قال تعالى: {لا تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الأَبْصَارَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ} [الأنعام:١٠٣]، سبحانه وتعالى.
قال: {وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ} [فاطر:١٣]، أي: وسخر هذه المجرات التي تجري في هذا الفضاء الواسع بشموسها وأقمارها ونجومها وما إلى ذلك من عظيم خلقه سبحانه، وهي تجري من مكان إلى مكان بحساب جعله الله سبحانه وتعالى لها، وكذلك النجوم التي تموت وتولد كالإنسان والحيوان والنبات وغيرهم، قال تعالى: {عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ الْكَبِيرُ الْمُتَعَالِ} [الرعد:٩]، سبحانه وتعالى.
قال تعالى: {كُلٌّ يَجْرِي لِأَجَلٍ مُسَمًّى} [فاطر:١٣]، فالشمس تجري إلى أن يأتي الأجل المسمى، وإلى أن يوقفها الله ويفعل بها ما يشاء سبحانه، وكذلك القمر، قال سبحانه: {ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لَهُ الْمُلْكُ} [فاطر:١٣]، فهو الذي سخر هذا كله إلى أجل قد سماه الله وحدده عنده سبحانه، ذلكم العظيم القادر القاهر الذي يستحق العبودية وحده لا إله غيره سبحانه.