[تفسير قوله تعالى:(ويعبدون من دون الله ما لا ينفعهم ولا يضرهم)]
لما ذكر الله الآيات التي تدل على قدرته في خلقه سبحانه، وبين كيف يخلق لنا أشياء في غاية الكمال والجمال والإبداع، أخذ يذكر أن الإنسان وبالرغم مما يرى من آيات الله الباهرة يكفر ويعبد غير الله سبحانه وتعالى، قال سبحانه:{وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لا يَنفَعُهُمْ وَلا يَضُرُّهُمْ}[الفرقان:٥٥]، فقوله:(ويعبدون من دون الله) أي: أن كل ما سوى الله فهو دون، فكل من يعبد من دون الله أو من الذين هم غير الله سبحانه وتعالى لا ينفعون ولا يضرون لا أنفسهم ولا غيرهم، قال تعالى:{مَا لا يَنفَعُهُمْ وَلا يَضُرُّهُمْ}[الفرقان:٥٥]، وفي هذا الموضع قدم النفع على الضر وفي غيره من المواضع يقدم الضر على النفع، وهم لا يملكون لا هذا ولا ذاك، إذ الإنسان لا يملك لنفسه نفعاً ولا ضراً، إلا أن يشاء الله سبحانه فيقدره على ذلك، وفي قوله:(مالا ينفعهم ولا يضرهم) تعريض أنهم يعبدون أصناماً وأوثاناً لا تملك لنفسها نفعاً ولا ضراً، ثم قال:{وَكَانَ الْكَافِرُ عَلَى رَبِّهِ ظَهِيرًا}[الفرقان:٥٥]، أي: أن الكافر يعين غيره من الكفار على هدم دين الله سبحانه وتعالى، والمظاهرة بمعنى: التقوية، والمعنى: يقوي الكافر غيره من الكفار على عصيان الله سبحانه وتعالى، ومن يظاهر على المعصية يظاهر على هدم دين الله سبحانه، ويقوي الشيطان فيما هو فيه من عناد واستكبار ويعينه على المسلمين، قال سبحانه:{وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لا يَنفَعُهُمْ وَلا يَضُرُّهُمْ وَكَانَ الْكَافِرُ عَلَى رَبِّهِ ظَهِيرًا}[الفرقان:٥٥].
قال ابن عباس رضي الله عنهما: الكافر هنا: أبو جهل لعنه الله، والمعنى: أن أبا جهل كان يستظهر بعبادة الأوثان على أولياء الله سبحانه وتعالى، وهذه الآية وإن كان سبب نزولها هو أبو جهل، ولكن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب؛ لأن الله عز وجل قال:(وكان الكافر)، فاللام في لفظ الكافر للجنس وهي من ألفاظ العموم، ولذا فكل كافر على ذلك، فهو لا يحب المسلم ولن يرضى عنه حتى يدخل المسلم في دين هذا الكافر، فتلك إعانته الكفار والشيطان على أولياء الله عز وجل.
قوله:((عَلَى رَبِّهِ))، أي: على الله عز وجل، والمعنى: يظاهر على هدم دينه سبحانه وتعالى، وقيل: بل الكافر هو إبليس، ولكن العبرة بالعموم، فعموم الكفار يعين بعضهم بعضاً على هدم دين الله سبحانه.
يقول الحسن في معنى (ظهيراً) أي: معيناً للشيطان على المعاصي من المظاهرة وهي: التقوية والإعانة.
هذا معنى من المعاني، والمعنى الآخر لقوله تعالى:{وَكَانَ الْكَافِرُ عَلَى رَبِّهِ ظَهِيرًا}[الفرقان:٥٥]، أن الظهير مأخوذ من الظهر، نقول: ألقيت الشيء ورائي ظهرية، أي: لم ألتفت إليه، ومعنى:(على ربه) أي: عند ربه، والمعنى: كان مقام الكافر عند ربه مقام الذل والمهانة لا قيمة له، ولذلك يلقيه الله في نار جهنم وأمثاله، ويذكر عنهم أنه يجعلهم كالمنفيين في نارهم، قال سبحانه:{فَالْيَوْمَ نَنسَاكُمْ كَمَا نَسِيتُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَذَا}[الجاثية:٣٤]، وليس المعنى أن الله ينسى، فالله لا ينسى شيئاً سبحانه، وقوله:((نَنسَاكُمْ)) بمعنى: نعاملكم معاملة المنسيين فنقذفكم في نار جهنم كالمنفيين، فأنتم مطرودون من رحمة الله لا نأبه بكم، وقد ذكر الله في آيات أخر أنهم يصرخون وينادون فلا يغاثون ولا يجيبهم ربهم سبحانه، ومثل النسيان ما دل من الآيات على أن الله لا ينظر، والمعنى: لا ينظر إليهم بنظر رحمة سبحانه وتعالى، إذ الله يبصر كل شيء ويرى كل شيء سبحانه.
والقول الثالث في معنى قوله تعالى:((وَكَانَ الْكَافِرُ عَلَى رَبِّهِ ظَهِيرًا)) قالوا: بمعنى مظهور، أي: أن كفر الكافرين هين على الله سبحانه وتعالى، فالله لا يأبه بكفرهم شيئاً، فهو الغني سبحانه وهو القدير، فلا يضرون ربهم شيئاً وإنما يضرون أنفسهم.