[الخمس الخصال التي خص بها النبي صلى الله عليه وسلم دون سائر الأنبياء]
جاء في صحيح مسلم عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أعطيت خمساً لم يعطهن نبي قبلي) إن الله عز وجل ميز النبي صلى الله عليه وسلم بخمس خصال من فضله وكرمه، ولم يكن لأحد من الأنبياء مثل ذلك، فقال صلى الله عليه وسلم:(كان كل نبي يبعث إلى قومه خاصة وبعثت إلى كل أحمر وأسود) أي: أنه بعث إلى الخلق جميعهم، الأحمر والأسود، والعربي والعجمي، والإنس والجن، فهذه خصيصة لم تكن إلا له وحده صلوات الله وسلامه عليه.
وقال النبي صلى الله عليه وسلم:(وأحلت لي الغنائم ولم تحل لأحد قبلي)، فقد رحم الله عز وجل به هذه الأمة وأعطاهم الغنائم، وقد كان الأنبياء قبل النبي صلى الله عليه وسلم لا يحل لهم الانتفاع بها، فإذا قاتلوا وغلبوا أعداءهم أخذوا الغنائم ووضعوها فوق الجبل وتركوها، فتنزل نار من السماء فتحرقها، ويكون ذلك دليلاً على أن الله قد قبل منهم هذا الجهاد، ولكن في شريعتنا رحم الله عز وجل هذه الأمة فأباح لهم أن ينتفعوا بهذه الغنائم.
ثم قال النبي صلى الله عليه وسلم:(وجعلت لي الأرض طيبة طهوراً ومسجداً)، فالذي يريد أن يصلي فمسجده الأرض، وفيها طهوره، فإذا لم يجد ماء يتوضأ به فليتيمم من الأرض، وله أن يركع ويسجد على تراب الأرض، فلا يحتاج إلى سجادة ولا حصيرة، فالأصل أن الأرض طاهرة، إلا إن علمت النجاسة في موضع فلينتقل الإنسان إلى موضع آخر ليس بنجس، وهذا تيسير عظيم من الله سبحانه في أمر الوضوء والاغتسال، فالبدل من ذلك هو التيمم.
وقد كان السابقون يحتاجون إلى مكان يصلون فيه، وأما نحن فلا نحتاج إلى ذلك، ففي أي مكان أدركتنا الصلاة صلينا، فإذا لم يوجد المسجد صلاها المسلم في أي مكان من الأرض، وأما السابقون فكانوا ملزمين بأن يصلوا في المساجد، ولذلك قال الله عز وجل لموسى عليه السلام وأخيه {وَاجْعَلُوا بُيُوتَكُمْ قِبْلَةً}[يونس:٨٧]؛ لأن آل فرعون منعوهم من الصلاة والعبادة في المساجد، فأمرهم الله أن يجعلوا بيوتهم إلى القبلة، وأن يصلوا في بيوتهم، فالأصل عندهم ألا يصلي الإنسان في بيته، ولكن للضرورة التي وقعوا فيها من إيذاء فرعون وجنوده لهم رخص لهم في ذلك، وأما نحن فالأرض لنا مسجد وطهور، فإذا وجد المسجد فيلزم المسلم أن يذهب إليه، وإذا لم يجد المسجد صلى في أي مكان هو فيه.
قال صلى الله عليه وسلم:(فأيما رجل أدركته الصلاة فليصل -أي: حيث كان-، ونصرت بالرعب بين يدي مسيرة شهر) أي: أنه صلى الله عليه وسلم نصر بالرعب، فجعل الله له جنوداً من الإنس ومن الملائكة، وجنوداً مما شاء الله عز وجل مما يبثه في قلوب أعداءه، ومن ذلك الرعب، فأيما عدو سمع عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قادم إليه جعل الله عز وجل في نفسه الرعب والخوف من النبي صلى الله عليه وسلم، فجعل الله له من الجنود ما يعلم ومالا يعلم صلوات الله وسلامه عليه.
قال:(وأعطيت الشفاعة)، فأعظم عطاء من الله سبحانه لنبيه أن يشفع في فصل القضاء يوم القيامة، ويطلب من الله عز وجل أن يفصل القضاء بين العباد، وله شفاعات أخرى معلومة.