ومن الأحكام المذكورة في الآية تحريم التبني، قال تعالى:{وَمَا جَعَلَ أَدْعِيَاءَكُمْ أَبْنَاءَكُمْ}[الأحزاب:٤].
الدعي: هو الابن الذي يدعيه الإنسان لنفسه، أو يدعي هو أن فلاناً أبوه بدلاً من أبيه الحقيقي.
ومعنى الآية: أن الله عز وجل ما جعل هؤلاء الأدعياء أبناءً لكم، فدلت على أنه لا يجوز للإنسان أن يتبنى، كأن يدعي إنساناً لنفسه فيقول: فلان ابني، وهو ليس كذلك.
ثم بين سبحانه ما ينبغي عليهم من دعوة الأبناء لآبائهم الحقيقيين فقال: سبحانه: {ادْعُوهُمْ لِآبَائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ}[الأحزاب:٥] فكان العدل الذي حكم الله عز وجل به أن يُدعى الإنسان لأبيه طالما أن أباه معروف، أما إذا لم يعرف أبوه فيقال له أخٌ في الدين، ولا يدعى لغير أبيه.
قال العلماء: إن عبد الله بن عمر رضي الله عنه ذكر: ما كنا ندعو زيد بن حارثة إلا زيد بن محمد صلى الله عليه وسلم، حتى نزلت:{ادْعُوهُمْ لِآبَائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ}[الأحزاب:٥].
وكان زيد بن حارثة قد ادعاه النبي صلى الله عليه وسلم لنفسه، وبعد ذلك نزل القرآن يحرم التبني فنودي بعد ذلك زيد بن حارثة.
وذكر أنس بن مالك وغيره: أن زيداً كان مسبياً من الشام، أي أن زيداً كان أصله من الشام ولم يكن من الحجاز، وإنما سباه ناس من عرب من تهامة، ثم ذهبوا به إلى بلاد الحجاز فباعوه عبداً.
وكان السبي والاستبعاد في الجاهلية كثير، حيث يختطف الإنسان من أهله ثم يباع في سوق العبيد، كما فعل بـ زيد مع أنه كان حراً رضي الله عنه، وكان أهله أحراراً، وبعد أن خطف زيد من أهله وبيع في الحجاز، اشتراه حكيم بن حزام بن خويلد، وهو ابن أخ للسيدة خديجة بنت خويلد رضي الله عنها، أي أنها عمته.
ومعروف أن خديجة هي زوجة النبي صلى الله عليه وسلم، فبعد أن اشتراه حكيم بن حزام وهبه لعمته السيدة خديجة، ثم وهبته السيدة خديجة للنبي صلى الله عليه وسلم، ثم تكرم وتفضل النبي صلى الله عليه وسلم فأعتق زيداً رضي الله تبارك وتعالى عنه وتبناه.