فقد طلب بعضهم من النبي صلى الله عليه وسلم معجزة حسية يرونها، وقالوا له: إذا كنت رسولاً فاجعل القمر ينشق، فدعا النبي صلى الله عليه وسلم ربه سبحانه، وأشار صلوات الله وسلامه عليه إلى القمر، فانفلق القمر فلقتين، فكان آية من السماء، ولكن لم تكن لكل الكفار، بل كانت للبعض الذين كانوا مستيقظين في هذه الليلة، ولو كانت للجميع فكفروا لنزل عليهم العذاب من عند رب العالمين، فرأى هؤلاء ذلك ثم قالوا: إنما سحر أبصارنا بهذه الشيء، فقال بعضهم لبعض: إن كان سحر أبصارنا فإنه لم يسحر أبصار الذين يأتون من رواء الجبل، فانتظروا حتى يقدم قادم فنسأله، فجاءت القوافل من رواء الجبل وسألوهم: هل رأيتم القمر في ليلة كذا قد انشق؟ فقالوا: رأيناه انفلق ثم رجع مرة أخرى.
فهذه معجزة من معجزات النبي صلوات الله وسلامه عليه، وكان البعض من المسلمين ينكرون ذلك، ويتأولون قوله تعالى في الآية:{اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ}[القمر:١] أنه في يوم القيامة سيكون هذا الشيء، وأما في الدنيا فلا، ويردون الأحاديث التي جاءت في انشقاق القمر إلى أن أثبت الكفار ذلك فرجعوا إلى عقولهم، فقد ذكر الكفار: أنه لما طلعت بهم سفن الفضاء إلى القمر -وهذا نقل زغلول النجار - نظروا فيه وبحثوا فرأوا في القمر شقاً بطول القمر كله، فقالوا: هذا الشق دليل على أنه انفلق في يوم من الأيام، والتحم مرة أخرى.
قال الله عز وجل:{وَانْشَقَّ الْقَمَرُ}[القمر:١]، والنبي صلى الله عليه وسلم قد ذكر ذلك، فقد جاءت الأحاديث عنه صلى الله عليه وسلم بأنه أشار إلى القمر فانفلق، ومع ذلك لم يؤمن هؤلاء الكفار إلا لما شاء الله عز وجل لهم.
فيقول سبحانه هنا:{إِنْ نَشَأْ نُنَزِّلْ عَلَيْهِمْ مِنَ السَّمَاءِ آيَةً فَظَلَّتْ أَعْنَاقُهُمْ لَهَا خَاضِعِينَ}[الشعراء:٤]، فالإنسان المتكبر يكون رافعاً رأسه إلى أعلى؛ استكباراً على الخلق، وأما الإنسان المذلول فيكون ثانياً رقبته إلى أسفل، فالمقصود هنا بقوله تعالى:{فَظَلَّتْ أَعْنَاقُهُمْ لَهَا خَاضِعِينَ}[الشعراء:٤] أي: خضعت الأعناق وذلت بهذه الآية التي جاءت من عند رب العالمين سبحانه، فلو شئنا لفعلنا ذلك فألزمناهم الإيمان قهراً، وجعلناهم خاضعين ذليلين فيدخلون في هذا الدين، ولكن لم نرد ذلك.