[تفسير قوله تعالى:(ولقد مكناهم فيما إن مكناكم فيه)]
قال تعالى:((وَلَقَدْ مَكَّنَّاهُمْ فِيمَا إِنْ مَكَّنَّاكُمْ فِيهِ)) أي: مكنا لهؤلاء القوم، فأعطيناهم القوة العظيمة، والأبدان الصحيحة، والتمكين في الأرض، لكن عتوا في الأرض وأفسدوا فيها، ((وَلَقَدْ مَكَّنَّاهُمْ فِيمَا إِنْ مَكَّنَّاكُمْ فِيهِ)) و (إن) هنا تحتمل معانٍ كلها صحيحة، ((وَلَقَدْ مَكَّنَّاهُمْ فِيمَا إِنْ مَكَّنَّاكُمْ فِيهِ)) فتحتمل أن تكون: صلة، فيكون التقدير: ولقد مكناهم في الذي مكناكم فيه، وأعطيناكم مثل ما أعطيناهم، وإن كان هناك فرق كبير بينكم وبينهم، فهم كانوا عمالقة وأقوياء.
وتحتمل أن تكون: شرطية، فيكون المعنى: إن أعطيناكم مثل ما أعطيناهم من القوة وعظم الأجساد فإنكم ستفسدون وتعثون في الأرض مثل ما فعلوا، وأنتم الآن على ضعفكم تفسدون في الأرض، فكيف إذا كنتم مثلهم! وتحتمل (إن) معنىً آخر وهو: النفي، فيكون المعنى:(ولقد مكناهم فيما لم نعطكم مثله).
فقوله:(فيما إن مكناكم فيه) أي: في الشيء الذي أعطيناكم مثله، وهذا صحيح، وتفسير: فيما لم نعطكم مثله أيضاً صحيح، فتفسير:(أعطيناكم مثله) أي: أعطيناهم أرضاً وأعطيناكم أرضاً، وأعطيناهم رزقاً وأعطيناكم رزقاً، لكن لم نعطكم ما كانوا فيه من قوة عظيمة، ((كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ خَاوِيَةٍ)) فكان هؤلاء الأقوام ذو طول وقوة في البدن، فكان أحدهم ينحت الجبل فيعمل منه بيتاً فارهاً له.
إذاً: فقد أعطيناكم مثل ما أعطيناهم في بعض الأشياء، فأعطيناكم رزقاً وعقولاً تفكرون بها، ورسالة جاءتكم تدعوكم إلى الله سبحانه، وأعطيناهم شيئاً لم نعطكم إياه، فأعطيناهم القوة العظيمة التي لم نعطكم مثلها في أبدانكم، وإن كنا عوضناكم بشيء آخر مكانه، فأعطيناكم عقولاً تفكرون بها كيف تصنعون الطائرات والدبابات، والآلات التي تخرقون بها الأرض، والتي تبنون بها العمائر، وأما الأبدان فلم نعط أحداً مثل هؤلاء الأقوام.