الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا اله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، اللهم صل وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحابته أجمعين.
لما ذكر الله سبحانه وتعالى للمؤمنين أنه لا ينبغي لهم أن يجادلوا أهل الكتاب إلا بالتي هي أحسن إلا الذين ظلموا منهم قال:{وَقُولُوا آمَنَّا بِالَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَأُنْزِلَ إِلَيْكُمْ وَإِلَهُنَا وَإِلَهُكُمْ وَاحِدٌ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ}[العنكبوت:٤٦] فأدب المسلمين بأدب من آداب هذا القرآن العظيم وهو ترك الجدل، فلا ينبغي للإنسان المؤمن أن ينشغل بالجدل إلا إذا احتاج إلى ذلك، كما إذا جادله إنسان من الكفار من أهل الكتاب أو من غيرهم في دين الله سبحانه فليرد عليه بعلم.
إذاً: ينبغي على المسلم أن يتعلم دينه حتى لا يجادله إنسان فلا يعرف كيف يرد على هذا الذي يجادل فيه، فيتعلم ويدفع بالتي هي أحسن ويرد بالحسنى، قال تعالى:{وَلا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ}[العنكبوت:٤٦] فلا يكون هم الإنسان الجدل، ولذلك جاء في الحديث:(لا يفلح قوم أوتوا الجدل) وفي الحديث أيضاً: (ما ضل قوم بعد هدى كانوا عليه إلا أوتوا الجدل) فالإنسان بعدما كان على هدى ابتدأ في الجدل، فصار علمه كله عبارة عن أسئلة ومجادلات وأشياء عقلية، وابتعد عن القرآن الكريم وعن سنة النبي صلى الله عليه وسلم بتحكيم العقل بالجدل.
لكن إن احتاج المسلم إلى ذلك فيدفع بالتي هي أحسن.
قال تعالى:{إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ وَقُولُوا}[العنكبوت:٤٦] لهم ولغيرهم: {آمَنَّا بِالَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَأُنْزِلَ إِلَيْكُمْ}[العنكبوت:٤٦] أي قولوا لليهود للنصارى أهل الكتاب: آمنا بالكتب المنزلة من عند الله سبحانه وتعالى، ولا نفرق بين أحد من رسل الله عليهم الصلاة والسلام، بل آمنا بالجميع.
قال تعالى:{وَإِلَهُنَا وَإِلَهُكُمْ وَاحِدٌ}[العنكبوت:٤٦] أي: الإله الذي نعبده هو إله واحد لا شريك له، لا صاحبة ولا ولد ولا والد، بل هو إله واحد وحده الذي يستحق العبادة.
{وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ}[العنكبوت:٤٦] أي: مذعنون مستسلمون له سبحانه.