قال تعالى:{إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ}[لقمان:٣٤] أي: أن الله اختص نفسه بعلم الساعة فلا يعرف أحد متى تكون الساعة، وإن كان الله سبحانه قد أخبرنا على لسان نبينا صلى الله عليه وسلم أنها تقوم في يوم جمعة، إلا أننا قطعاً لا ندرك أي جمعة من الجمع ستقوم فيها، وقد أخبر نبينا صلى الله عليه وسلم كذلك أن قبل الساعة علامات صغرى وعلامات كبرى، أما العلامات الصغرى فقد رأينا الكثير منها، ومن ذلك ما يراه الإنسان من معاص لله سبحانه وتعالى، ومن الفساد في الأرض، ومن نزع الأمانة من قلوب الرجال حتى يقال عن الرجل: ما أظرفه وما أعقله، وما في قلبه مثقال ذرة من إيمان، ومنها أيضاً: أنك ترى الناس قد تركوا دين الله عز وجل وراءهم، وضيعوا الأمانة، فترى المتبرجات ضيعن أمانة الله سبحانه وتعالى وانتشرن في الأرض يغوين ويضللن عن سبيل الله.
أما العلامات الكبرى فإنها إذا جاءت فإن الساعة على وشك أن تقوم كما ذكر لنا النبي صلى الله عليه وسلم، وقد ذكر نبينا صلى الله عليه وسلم تلك العلامات لأمته، ومنها: ظهور الدابة، والدجال، وطلوع الشمس من مغربها، وثلاثة خسوفات: خسف في المشرق، وخسف في المغرب، وخسف في جزيرة العرب، ونار تحشر الناس إلى أرض المحشر، فهذه العلامات إذا وقعت، عرف الناس أن الساعة قريبة، ومع ذلك فإنها تظل مبهمة حتى يأتي أمر الله فجأة، فتقوم الساعة وليس على الأرض من يقول: الله، الله، إذ إنها تقوم على شرار الخلق، وقد نسوا ربهم سبحانه، فلا أحد يقول الله، إلا عجائز من الناس يذكرون أنهم سمعوا من أجدادهم من يقول ذلك، كما تقوم الساعة والناس يتهارجون في الأرض كتهارج الحمر، فيكثر الزنا في الأرض حتى يرتكبه صاحبه في أي مكان كما تفعل الحمير، وكون الإنسان يدرك أن الساعة تكون قريبة لما يرى لها من علامات صغرى وكبرى، فهذا واقع، لكنه لا يدري متى تكون ساعته هو، كما لا يدري متى تكون القيامة الكبرى.
كما أن الله سبحانه قد يري أنبياءه عليهم الصلاة والسلام أشياء لا يطلع عليها غيرهم، كما يذكر: أنه يكون كذا في يوم كذا، فيخبر النبي عليه الصلاة والسلام بما غيبه الله سبحانه وأطلع عليه نبيه عليه الصلاة والسلام، وقد يري الله سبحانه وتعالى رؤيا يكون فيها أنه سيموت في اليوم الفلاني ويحدث هذا الأمر، وهذا لا يقدح في علم الله، فالله عنده علم ساعة العبد، فهو الذي أطلعه على ميقاتها، كما أطلع نبياً من الأنبياء على شيء من علمه سبحانه وتعالى الذي غيبه، وليس معنى ذلك أنه يعلم صلى الله عليه وسلم متى تقوم القيامة، فيعلم في أي يوم تقوم، وإن كان قد علم أنه في يوم جمعة، لكنه لا يعلم صلى الله عليه وسلم أي جمعة من الجمع تقوم فيها، بل كان يقول في المسيح الدجال (إن يظهر وأنا فيكم فأنا حجيجه دونكم)، فكان يظن عليه الصلاة والسلام أن المسيح الدجال قد يظهر وهو حي، صلوات الله وسلامه عليه، ولم يظهر في حياته ولا بعد وفاته إلى الآن، ولكن لا شك أنه سيظهر في يوم من الأيام.
وبذلك يعلم أن النبي صلى الله عليه وسلم علم العلامات التي تكون قبل الساعة، أما أنه علم متى تظهر هذه العلامات فهذا أمر لا يعلمه إلا الله سبحانه وتعالى.