[تفسير قوله تعالى: (ولما رأى المؤمنون الأحزاب قالوا هذا ما وعدنا الله ورسوله)]
قال الله تعالى: {وَلَمَّا رَأَى الْمُؤْمِنُونَ الأَحْزَابَ قَالُوا هَذَا مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَمَا زَادَهُمْ إِلَّا إِيمَانًا وَتَسْلِيمًا} [الأحزاب:٢٢].
يذكر الله كيف كان حال المؤمنين لما رأوا الأحزاب، فقد أعلمنا حال المنافقين، وأنهم كانوا في غاية الخوف والرعب تدور أعينهم كالذي يغشى عليه من الموت.
أما المؤمنون فإنهم لما رأوا الأحزاب قالوا: هذا ما وعدنا الله ورسوله، أي: هذا وعد الله أن يأتي الكفار وأن يحدث بيننا وبينهم الالتحام والقتال ويأتي نصر الله، وصدق الله ورسوله.
فرق بين المؤمن والمنافق، المنافق أصابه الخوف والرعب فقال: يعدنا محمد بكنوز قيصر وكسرى وأحدنا لا يأمن أن يذهب إلى الخلاء، لكن المؤمن لما رأى هذا الرعب وهذا الخوف قال: صدق الله ورسوله.
يعني: بمجيء الأحزاب الكفار سيأتي نصر الله سبحانه وتعالى؛ لأن الله ورسوله صلى الله عليه وسلم وعدا بالنصر والتمكين، وبأننا نفتح قصور الشام وقصور العراق وبلاد الحبشة وغيرها، وصدق الله وصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم، سنكون في وقت من الأوقات منتصرين، ويدخل الإيمان في كل مكان كما قال النبي صلى الله عليه وسلم.
فالمؤمنون ما زادهم ما هم فيه من خوف ومن شدة إلا إيماناً، وهذا قول النبي صلى الله عليه وسلم: (وهل تنصرون إلا بضعفائكم).
لما رأى الأقوياء كـ سعد بن أبي وقاص وغيره في يوم بدر أن لهم مزية وفضلاً على غيرهم من المؤمنين، وذلك بأنهم قاتلوا بالسيف وغيرهم ضعفاء، فقال سعد للنبي صلى الله عليه وسلم: (أعطني هذا السيف لعله يعطاه من لا يبلي بلائي -أي: قد يأخذ السيف من لا يعمل مثل ما أعمله- فالنبي صلى الله عليه وسلم قال لـ سعد: وهل تنصرون إلا بضعفائكم؟).
يعني: النصر لا يأتي بقوة الأجسام والسلاح وإنما يأتي بقوة هؤلاء في إيمانهم، فهؤلاء الضعفاء يدعون الله ويستغيثون بالله ويطلبون النصر منه سبحانه فينصرهم، أما القوي فقد يعجب بنفسه ويظن في نفسه قوة فينسى أن يدعو ربه.
إذاً: فالمؤمنون ازدادوا في حال خوفهم إيماناً بالله، وثقة في الله سبحانه، وتسليماً لأمر الله؛ لأنهم سلموا أنفسهم لله بما يشاء، فصدقوا الله سبحانه وتعالى، فصدقهم الله سبحانه.
قال تعالى: {وَمَا زَادَهُمْ إِلَّا إِيمَانًا} [الأحزاب:٢٢] أي: بالرب سبحانه {وَتَسْلِيمًا} [الأحزاب:٢٢] بالقضاء والقدر، وهذا حال المؤمنين أنهم يسلمون لله سبحانه، ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن، فيرضون فيرضيهم الله سبحانه.
نسأل الله عز وجل أن يعيننا على ذكره وشكره وحسن عبادته.
أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم، وصل اللهم وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.