قال تعالى:{مِنْهُمْ مَنْ قَصَصْنَا عَلَيْكَ وَمِنْهُمْ مَنْ لَمْ نَقْصُصْ عَلَيْكَ وَمَا كَانَ لِرَسُولٍ أَنْ يَأْتِيَ بِآيَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ}[غافر:٧٨]، أي: لقد كانت عادة الأقوام الذين بعث إليهم الرسل التكذيب، فإذا جاءهم رسول من عند الله كذبوه وأعرضوا عنه وطلبوا منه آية على أنه رسول من عند الله، أو يشترطون عليه أن يعمل لهم ما اشترطوه، فقوم هود طلبوا من نبيهم آية، وكذلك قوم صالح، ومن قبلهم قوم نوح، وهكذا كل نبي بعثه الله إلى قوم كانوا يطلبون منه الآيات ويتعنتون معه، فيرسل الله عز وجل لهم الآيات، ويريهم ما سألوا، ومع ذلك يعرضون ويكذبون إذا جاءتهم الآيات الحسية التي طلبوا أن يروها ولم يؤمنوا بها، فإذا كان السابقون لم يؤمنوا فهؤلاء لن يؤمنوا، وقد جعل الله عز وجل الآية العظيمة والمعجزة الكبرى لرسوله صلى الله عليه وسلم هذا القرآن العظيم، وتحدى به الخلق جميعهم أن يأتوا {بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ}[البقرة:٢٣].
ولما طلبوا من النبي صلى الله عليه وسلم أن يجعل لهم الصفا ذهباً وأن يبعد عنهم الجبلين اللذين في مكة من أجل أن تتوسع أرضهم؛ لأن أرضهم ضيقة، وأن ينزل عليهم من السماء أمطاراً غزيرة، وينزل عليهم من السماء ذهباً وفضة وينزل عليهم كتاباً من السماء، وتعنتوا فيما طلبوا من النبي صلى الله عليه وسلم؛ لم يجبهم ربنا سبحانه إلى ما سألوا وطلبوا؛ لأن الذين من قبلهم لما طلبوا الآيات ورأوها لم يؤمنوا، فهؤلاء مثلهم، فكان من رحمة الله عز وجل ألا يبعث هذه الآيات؛ فإن الله إذا أرسل آية من الآيات وكذب بها الخلق أتتهم العقوبة والاستئصال والإهلاك والتدمير، ولذلك من رحمة الله عز وجل أنه لم يعطهم ما سألوا من الآيات؛ لأنه علم أن الذين يطلبون هذه الآيات سيموتون على كفرهم كـ أبي جهل وأبي لهب وغيرهم، فإذا أعطاهم الله عز وجل آية وحول لهم الصفا ذهباً فسيقولون عن النبي صلى الله عليه وسلم: ساحر، ويظلون على تكذيبهم، فيأتيهم العذاب من عند الله فيستأصلهم جميعاً، فمن رحمة الله أنه لم يعطهم الآية التي طلبوها؛ حتى لا يهلكهم ويبيدهم بعد ذلك، وهذا فضل منه ورحمة.