وفي سورة مريم قال:{لَهُ مَا بَيْنَ أَيْدِينَا وَمَا خَلْفَنَا وَمَا بَيْنَ ذَلِكَ وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا}[مريم:٦٤]، وذلك عندما قال النبي صلى الله عليه وسلم لجبريل:(لم لا تزورنا أكثر مما تزورنا)، فأنزل الله سبحانه وتعالى في سورة مريم:{وَمَا نَتَنَزَّلُ إِلَّا بِأَمْرِ رَبِّكَ لَهُ مَا بَيْنَ أَيْدِينَا وَمَا خَلْفَنَا وَمَا بَيْنَ ذَلِكَ وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا}[مريم:٦٤].
أي: إذا أخر الله عنك جبريل فليس هذا بنسيان، ولكن الله عز وجل لحكمة يؤخره، ولحكمة وتشريع يرسله.
ويقول:{لَهُ مَا بَيْنَ أَيْدِينَا}[مريم:٦٤] فالملائكة يقولون: الله يملكنا وما أمامنا وما خلفنا، وكل ما حولنا يملكه الله سبحانه وتعالى، وهنا أخبر عن العلم، أن الله يعلم ما بين أيديهم، أي ما هو أمامهم، وما خلفهم، يعلم كل شيء في نفوس الملائكة، في أقوالهم وفي أفعالهم، ولا يجرءون على الشفاعة إلا لمن رضي الله عز وجل له ذلك، {وَلا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضَى}[الأنبياء:٢٨]، فتشفع الملائكة يوم القيامة؛ لأن الله عز وجل يشفع من يشاء من خلقه، فيشفع عباد الله المؤمنين وكذلك الملائكة وغيرهم.
فيشفعون بإذن الله عز وجل {وَلا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضَى}[الأنبياء:٢٨]، أي: لهم أن يشفعوا لمن ارتضى أن يشفعوا له، وليس لهم أن يشفعوا لكل أحد.
ثم قال تعالى:{وَهُمْ مِنْ خَشْيَتِهِ مُشْفِقُونَ}[الأنبياء:٢٨]، الملائكة المطيعون يخشون الله سبحانه وتعالى، وهم من خشيته في غاية الشفقة والخوف، مع أنهم مطيعون لله فلا يعصون الله سبحانه وتعالى أبداً، {وَهُمْ مِنْ خَشْيَتِهِ مُشْفِقُونَ}[الأنبياء:٢٨].
إذاً: أحرى بالإنسان الذي هو كثير العصيان لله عز وجل أن يكون فيه هذه الخشية، فالملائكة لا يعصون الله سبحانه وتعالى ويفعلون ما يؤمرون، وهم مع ذلك في غاية الخوف من الله سبحانه وتعالى، فلم لا يخاف الإنسان من ربه سبحانه وتعالى؟