[تفسير قوله تعالى:(الذين صبروا وعلى ربهم يتوكلون)]
ثم قال الله سبحانه وتعالى:{الَّذِينَ صَبَرُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ}[العنكبوت:٥٩]، أي: أنهم عملوا الصالحات وصبروا، والصبر أنواع: صبر على أوامر الله، فينفذ الأوامر، بأن يقول له: افعل كذا، فيفعل، ويصبر على ذلك، قال النبي صلى الله عليه وسلم:(إذا أمرتكم بشيء فائتوا منه ما استطعتم)، فيجاهد الإنسان نفسه في العمل الصالح والعمل بما أمر الله سبحانه.
وإذا نهى الله عز وجل عن شيء فالمؤمن يجتنبه، قال النبي صلى الله عليه وسلم:(وإذا نهيتكم عن شيء فاجتنبوه)، أي: لا تأتوا هذا الشيء واتركوه بالكلية، فالمؤمن يصبر على ذلك.
والله عز وجل نهى العبد عن الحرام وعن شهوات باطلة، وإذا بالنفس تدفعه ليقع فيها، ولكن يصبر ويتصبر لأمر الله سبحانه، فهذا صبر آخر، وهو الصبر عن المعصية.
الصبر الثالث: الصبر على قضاء الله وقدره، على أقدار الله سبحانه، فحين تنزل المصيبة بالعبد يقول: إنا لله وإنا إليه راجعون، كما قال عز وجل:{وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الأَمْوَالِ وَالأَنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ}[البقرة:١٥٥].
وفي أول هذه السورة قال الله سبحانه وتعالى:{أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ}[العنكبوت:٢]، فلا بد من الابتلاء والاختبار والامتحان من الله عز وجل لعباده، فمن صبر على ذلك فله الأجر من الله سبحانه تبارك وتعالى.
فعلى الإنسان أن يصبر على المصائب، ويصبر على الطاعة، ويصبر عن المعصية.
قال الله سبحانه:{الَّذِينَ صَبَرُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ}[العنكبوت:٥٩]، أي: صبروا لأمر الله سبحانه وتعالى، وتوكلوا على الله سبحانه أعظم التوكل، وقد جاء في حديث النبي صلى الله عليه وسلم:(لو أنكم توكلون على الله حق توكله لرزقكم كما يرزق الطير؛ تغدو خماصاً وتروح بطاناً)، فلو أن الإنسان يتوكل على الله سبحانه كما تتوكل الطير على ربها سبحانه لرزقه الله كما يرزق الطير؛ فإنها تصبح فتغدو تبحث عن رزقها فالله يعطيها رزقها، فقوله:(تغدو خماصاً) خمص البطن بمعنى: ضامر البطن، قل حجمها من قلة الطعام، وقوله:(تروح بطاناً)، أي: قد شبعت وامتلأت بطونها وانتفخت من كثرة ما أكلت من طعام.
فلو أن العبد توكل على الله حق التوكل وكان واثقاً بالله سبحانه، وأن الرزق بيد الله سبحانه، يؤتي الملك من يشاء وينزع الملك ممن يشاء، ويعز من يشاء ويذل من يشاء، وكل شيء بيد الله سبحانه، ولم ينسب ما هو لله لغير الله سبحانه، ولم يظن أو يحدث نفسه أن رزقي عند فلان، وفلان يعطيني الرزق؛ لرزقه الله من حيث لا يحتسب، فالرزق عند الله سبحانه، والله الرزاق العظيم الذي قال لعباده:{وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ * مَا أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ * إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ}[الذاريات:٥٦ - ٥٨]، فالعبد يتوكل على الله سبحانه، وإذا أحسن التوكل جاءه رزقه من عند الله من حيث لا يحتسب، كما قال عز وجل:{وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ}[الطلاق:٢ - ٣].
فهنا ربنا سبحانه وتعالى ذكر أمر التوكل عليه سبحانه وتعالى، فذكر أنه من صفات المؤمنين الذين يستحقون الجنات.