للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[آيات الله في الكون تدل على عظمته]

قال تعالى: {أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجْنَا بِهِ ثَمَرَاتٍ مُخْتَلِفًا أَلْوَانُهَا} [فاطر:٢٧] أي: ألم تر بقلبك ما فعله الله سبحانه تبارك وتعالى حيث أنزل من السماء ماء فأخرج به ثمرات مختلفة الألوان والأشكال {فَأَخْرَجْنَا بِهِ ثَمَرَاتٍ مُخْتَلِفًا أَلْوَانُهَا} [فاطر:٢٧] إن الله الخالق واحد لا شريك له، وهو الذي يستحق العبادة وحده فانظر إلى آياته سبحانه، فهو واحده الذي خلق: الأعمى والبصير، والظلمات والنور، والظل والحرور، والجنة والنار، والكافر والمؤمن، والسموات والأرض، والجبال والبحار، والأشجار والأنهار، لا شريك له سبحانه يخلق ما يشاء، وينوع ما يشاء في خلقه سبحانه تبارك وتعالى، ففي قوله تعالى: ((اللَّهَ أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً)) أمر بالتأمل كيف أن الماء ماء واحد، ينزل من السماء يجري في هذه الأرض؛ فيخرج الله عز وجل بهذا الماء الواحد ثمرات مختلفاً ألوانها، فمنها ما هو أحمر، ومنها ما هو أخضر وغير ذلك من الألوان، فمع أن الماء ماء واحد ينزل من السماء إلا أن الله عز وجل يخلق به ثماراً مختلفة في ألوانها، وفي أصنافها وفي طعومها، وفي أشكالها وأحجامها، على أن كل نبات أخرجه الله عز وجل بهذا الماء الواحد، يكون الماء هو أكثر محتوياته.

{فَأَخْرَجْنَا بِهِ ثَمَرَاتٍ مُخْتَلِفًا أَلْوَانُهَا} [فاطر:٢٧] فالله أنزل هذا الماء الواحد من السماء فسقاكم به، وسقى به مواشيكم وأنعامكم وزروعكم، وأخرج به ثمراتكم وحبوبكم، وهو الخلاق الواحد لا شريك له، فكيف تنكرون أن يعبد وحده لا شريك له؟ وكيف تنكرون أن يأمركم بعبادته وتتعجبون من ذلك؟ وهل من خالق غير الله يصنع ذلك ويرزقكم من السماء والأرض؟ لا إله إلا هو, ثم قال سبحانه: {وَمِنَ الْجِبَالِ جُدَدٌ بِيضٌ وَحُمْرٌ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهَا وَغَرَابِيبُ سُودٌ * وَمِنَ النَّاسِ وَالدَّوَابِّ وَالأَنْعَامِ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ كَذَلِكَ إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ غَفُورٌ} [فاطر:٢٧ - ٢٨] أي: الذين يخشون الله هم العلماء الذين يتفكرون في هذه الآيات الباهرات، والعالم ينظر ويتأمل ويصل بعلمه إلى أن هذا الشيء مستحيل أن يوجده غير الله سبحانه تبارك وتعالى، فعالم النبات يمسك ورقة النبات -عادة إذا أخذها الإنسان العادي لا يأبه بها ويلقيها في النفايات- ثم يقطعها إلى شرائح بسيطة ثم يضعها تحت الميكروسكوب ويتأمل في جوف هذه الشريحة ومحتوياتها، ويدرس تركيبها، وما تشابه فيه غيرها من النبات، وما هي الأمراض التي تبرأ بتناولها! ثم يدركون أن الله عز وجل خلقه لحكمة عظيمة ولم يخلقه هباءً أو سداً، والعلماء هم من يتأملون في هذا الخلق العظيم فيدركون عظمة الله عز وجل، ويكونون أشد خشية له، وقوله: {وَمِنَ الْجِبَالِ جُدَدٌ} [فاطر:٢٧] أي: خلق هذه الجبال العالية الصعبة الوعرة، وجعل بينها طرقاً ومسالك، والجدد: الطرائق، وجدد: جمع جدة، والجدة: الطريق، فالله سبحانه برحمته جعل في الجبال العاليه الراسية الوعرة الصعبة طرقاً لمن يريد أن يسلكها، كما أن الله سبحانه تبارك وتعالى يلونها فمنها ما هو أبيض عظيم البياض، ومنها ما هو أكدر، ومنها ما هو أحمر شديد الحمرة، قد لونها ربها سبحانه تبارك وتعالى, فانظر وتأمل في بديع خلقه سبحانه تبارك وتعالى, قال سبحانه وتعالى: {وَغَرَابِيبُ سُودٌ} [فاطر:٢٧] غرابيب سود أي: جبال من حجارة سوداء، ويقال: هذا أسود غربيب، أي: أسود شديد السواد، كما تقول: هذا أحمر قاني، أي: أحمر شديد الحمرة، وتقول: هذا أصفر فاقع لونه، أي: أصفر شديد الصفرة، وكذلك تقول: أسود غربيب وقد يعكس فيقال: غربيب أسود، والمعنى: شديد السواد، فالله سبحانه يخبرنا عن هذه الجبال التي نراها ويدعونا لتأمل عظمته فيها، فالمسافر الذي يركب الطائرة وينظر إلى الجبال من الأعلى يجد مناظراً عجيبة غاية في الجمال، تأسرك بألوانها فمنها جبال سوداء وجبال حمراء وجبال بيضاء، تبدي لك الأرض متعرجةً وأخرى مستوية، فلا تملك إلا أن تقول: سبحان الخلاق العظيم، وأكثر من ينظر إلى ذلك ويتأمل ويتعجب هم أهل العلم حيث يتأملون في بديع خلق الله، فلا يملك أحدهم إلا أن يقول: سبحانك ما خلقت هذا باطلا، بل كل من ينظر إليها يدرك أن الله خلق كل ذلك ليرينا من آيات جلاله وجماله سبحانه تبارك وتعالى في هذا الكون، قال سبحانه: {وَمِنَ النَّاسِ وَالدَّوَابِّ وَالأَنْعَامِ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ كَذَلِكَ} [فاطر:٢٨] أي: الناس ألوان مختلفة، فمنها الأحمر ومنها الأبيض ومنها الأسمر، فالناس في أوربا بلون، وفي أمريكا بلون آخر، وفي أستراليا بلون ثالث، وفي الهند بلون وفي الصين بلون والسودان بلون، فمع أن الخالق واحد سبحانه إلا أنه عدد صفات مخلوقاته ليريكم من آياته، مع أنه كان قادراً على أن يجعل الجميع بلون واحد، ولكن الله سبحانه خلق ونوع في خلقه ليرينا قدرته وآياته سبحانه، قوله: ((وَالدَّوَابِّ)) أي: كل ما يدب على وجه الأرض، فإنها أنواع مختلفة ينظر المتأمل فيها ويتعجب من بديع صنع الله سبحانه فهو البديع سبحانه فاطر السموات والأرض، فقد تعددت الأشياء واختلفت ألوانها، مع أن الذي خلقها هو الخالق الواحد لا شريك له ثم قال سبحانه: {إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ} [فاطر:٢٨] فمن تأمل في هذا الكون، وآتاه الله عز وجل العلم، فإنه سيصل في النهاية إلى معرفة الخالق سبحانه، وأنه لا أحد يستحق أن يعبد إلا هو سبحانه تبارك وتعالى, والعلماء في الآية فاعل يخشون، فإن العلماء يخشون الله سبحانه أعظم الخشية، بل كلما ازداد العلم في قلب الإنسان، إما بدين الله سبحانه تبارك وتعالى، أو بخلق الله سبحانه، فإنه يصل بعلمه إلى أن يعرف الله سبحانه تبارك وتعالى، ويزداد خشية وخوفاً من الله سبحانه، وقولنا أن العلماء يخشون الله سبحانه لا يعني أن غيرهم لا يخافون من الله، بل هم يخافون الله ويخشونه، ولكن الأشد خشية هم من يجتمع فيهم العلم بالدين مع العلم بأمور خلق الله سبحانه تبارك وتعالى، ثم أردف الله آياته بنعوت جلاله فقال: {إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ غَفُورٌ} [فاطر:٢٨] أي: الله عزيز غالب قاهر لا يمانع سبحانه تبارك وتعالى، يغفر سبحانه لمن تاب وأناب إليه إن الله عزيز غفور، وقد جاء في سنن الترمذي وهو حديث صحيح عن أبي أمامة الباهلي رضي الله عنه قال: (ذكر لرسول الله صلى الله عليه وسلم رجلان أحدهما عابد والآخر عالم) عابد أي: متعبد يكثر من الصلاة والصوم، والآخر عالم, قد عرف الشريعة وتعلم العلم.

فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (فضل العالم على العابد كفضلي على أدناكم) فبين أن العلم رفعة قال تعالى: {يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ} [المجادلة:١١] أي: أن الله يرفع المؤمنين الذين أوتوا العلم درجات فوق خلقه سبحانه تبارك وتعالى، وفي قول النبي صلى الله عليه وسلم: (فضل العالم على العابد) بيان أن العالم أفضل من العابد، والمراد بالعالم: العالم بالله سبحانه تبارك وتعالى، وبكتابه وبسنة نبيه صلى الله عليه وسلم، التقي الذي يخاف من الله سبحانه تبارك وتعالى، فيبين النبي أن فضله على العابد، كفضل النبي صلى الله عليه وسلم على أدنى أصحابه صلوات الله وسلامه عليه، ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن الله وملائكته وأهل السموات والأراضين حتى النملة في جحرها وحتى الحوت ليصلون على معلم الناس الخير) وهذه مزية العالم الذي يعلم الناس الخير، وصلاة الله عليه: أي أن الله يثني عليه ويرحمه سبحانه، وصلاة الملائكة عليه: أي أنها تدعو له ربها سبحانه تبارك وتعالى، وليس ذلك فحسب بل يصلي عليه من في السموات ومن في الأرض حتى النملة في جحرها وحتى الحوت -السمك في الماء- فإنه يدعوا لمن يعلم الناس الخير، وما ذاك إلا لأن العالم يخشى الله سبحانه تبارك وتعالى، ويصل بهذه الخشية إلى الإيمان بالله سبحانه وإلى اليقين به سبحانه، ونذكر هنا قصة جميلة ذكرها وحيد الدين خان في كتاب الإسلام يتحدا فقال: [واقعة رواها العالم الهندي الدكتور عناية الله المشرقي -هذا الرجل وصل إلى درجة عظيمة جداً في علم الفيزياء، وكان عالماً من العلماء وله نظريات في الرياضيات والفيزياء أبهرت العالم، كان هذا الرجل العالم المسلم عناية الله المشرقي في بريطانيا في جامعة كمبريدج يتعلم هنالك، وله أساتذته هناك في هذه الجامعة يقول: كان ذلك يوم أحد من أيام سنة ١٩٠٩م وكانت السماء تمطر بغزارة يقول عناية الله المشرقي: خرجت من بيتي لقضاء حاجة ما، فإذا بي أرى الفلكي المشهور جيمس جنز، الأستاذ بجامعة كمبريدج ذاهب إلى الكنيسة، والإنجيل والشمسية تحت إبطه، فدنوت منه وسلمت عليه فلم يرد عليّ وهو غارق في التفكير، فسلمت عليه مرة أخرى فسألني: ماذا تريد؟ فقال: قلت أمرين: الأول هو أن شمسيتك تحت إبطك والسماء تمطر بغزارة، فكيف تأخذ شمسية تحت إبطك والسماء تمطر عليك بغزارة، فانتبه الرجل ووضع الشمسية فوق رأسه، فعرفت أنه كان في تفكير عميق أفقده الإحساس ببرد الشتاء النازل على رأسه، قال والثاني: قال: ما الذي يدفع رجل ذائع الصيت في العالم مثلك أن يتوجه إلى الكنيسة فتوقف الرجل لحظة ثم قال عليك اليوم أن تأخذ شاي المساء عندي! قال: فوافقت فلما وصلت إلى داره في المساء خرجت زوجته في تمام الساعة الرابعة بالضبط وأخبرتني أنه ينتظرني، وعندما دخلت غرفته وجدت أمامه منضدة صغيرة موضوع عليها أدوات الشاي، وكان البروفيسور منهمك في أفكاره، وعندما شعر بوجودي سألني م

<<  <  ج:
ص:  >  >>