[متى يشبه الولد أباه وأمه؟]
روى مسلم في حديث طويل عن ثوبان مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (كنت قائماً عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فجاء حبر من أحبار اليهود فقال: السلام عليكم يا محمد! قال: فدفعته دفعة كاد يصرع منها)، أي: أنه غضب من هذا اليهودي المتطاول الذي نادى النبي صلى الله عليه وسلم بقوله: يا محمد، ولم يقل: يا رسول الله، ولا: يا نبي الله، يكلمه وكأنه أحد أصحابه، فدفعه دفعة كاد يلقيه على الأرض منها، (فقال اليهودي: لم تدفعني؟ فقلت: ألا تقول: يا رسول الله؟! فقال اليهودي: إنما ندعوه باسمه الذي سماه به أهله، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن اسمي محمد الذي سماني به أهلي)، وهذا من تواضعه صلوات الله وسلامه عليه، وأما كلام اليهودي فإنه من إجرام اليهود ومن محاولتهم إهانة النبي صلى الله عليه وسلم في قولهم، فكان أن دفعه هذا الصحابي، فأراد النبي صلى الله عليه وسلم ألا تقع فتنة فقال صلى الله عليه وسلم: (إن اسمي محمد الذي سماني به أهلي)، وهذا تواضع منه عليه الصلاة والسلام، وقد منع الله المؤمنين أن ينادوه بذلك فقال: {لا تَجْعَلُوا دُعَاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعَاءِ بَعْضِكُمْ بَعْضًا} [النور:٦٣]، أي: لا تنادوه كما ينادي بعضكم بعضاً، وتقولون له: يا محمد! بل نادوه بالتشريف والتعظيم وبما يستحقه صلوات الله وسلامه عليه، فنادوه بـ: يا رسول الله! يا نبي الله! عليه الصلاة والسلام.
فينادى بهذا اللفظ الذي جعله الله عز وجل لقباً له عليه الصلاة والسلام.
قال: (فقال اليهودي: جئت أسألك -أي: أنه جاء يسأل ويتعالم في كلامه- فقال النبي صلى الله عليه وسلم: أينفعك شيء إن حدثتك؟ فقال اليهودي: إنما أسمع بأذني)، وهذا فيه قلة أدب وسوء وتطاول في الكلام، يعني: كلامك لن يتجاوز أذني إلى قلبي وسأفكر فيه، قال: (فقال اليهودي: أين يكون الناس يوم تبدل الأرض غير الأرض؟ -وكان هذا اليهودي حبراً من أحبار اليهود، وقال: إنه لا يعرف الجواب إلا نبي- فقال النبي صلى الله عليه وسلم: هم في الظلمة دون الجسر -فتعجب اليهودي أن عرف النبي صلى الله عليه وسلم ذلك- ثم سأله: من أول الناس إجازة؟ -أي: من أول من يعبر الجسر ويطأ أرض الجنة؟ - قال: فقراء المهاجرين.
قال اليهودي: فما تحفتهم حين يدخلون الجنة؟ قال: زيادة كبد النون)، نسأل الله عز وجل أن يجعلنا منهم.
قال: (فما غداؤهم على إثرها؟ فقال: ينحر لهم ثور الجنة الذي كان يأكل من أطرافها)، فثور الجنة الذي تربى في الجنة وأكل من أطرافها ينحر لهؤلاء الذين هم أول الخلق دخولاً الجنة.
نسأل الله عز وجل أن يجعلنا منهم ومعهم.
قال: (فما شرابهم عليه؟ قال: من عين فيها تسمى سلسبيلاً)، وكان اليهودي يقول للنبي صلى الله عليه وسلم في كل
الجواب
صدقت.
وهو صلى الله عليه وسلم لم يأت بهذا الجواب من كلام العرب ولا من كلام الناس، وإنما أتى به من عند رب العالمين سبحانه.
قال: وجئت أسألك عن شيء لا يعلمه أحد من أهل الأرض إلا نبي أو رجل أو رجلان.
أي: إنه لا يوجد في الدنيا أحد يعلمه إلا رجل أو رجلان، يقصد نفسه ومعه رجل آخر من اليهود، فإذا علمه ثالث فلا يكون إلا من الأنبياء، فقال عليه الصلاة والسلام: (أينفعك إن حدثتك؟ فقال: أسمع بأذني)، نفس الجواب الذي قاله قبل ذلك.
قال: جئت أسألك عن الولد -وهذا هو الشاهد من الحديث- فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (ماء الرجل أبيض، وماء المرأة أصفر)، فماء الرجل مني أبيض وكلهم يعرفونه، وأما أن ماء المرأة أصفر فلم يكن أحد يعرفه، ولا حتى الأطباء كانوا يعرفون ذلك، وإنما كانوا يقولون: إن المرأة ليس لها ماء أصلاً، وإنما هذا يقوله النبي صلى الله عليه وسلم، وبناء عليه كانوا يكذبون بهذا الحديث، قال صلى الله عليه وسلم: (فإذا اجتمعا فعلا مني الرجل مني المرأة أذكرا بإذن الله -أي: كان الجنين ذكراً- وإذا علا مني المرأة مني الرجل آنثا بإذن الله -قال اليهودي: لقد صدقت وإنك لنبي)، ثم انصرف، ولم يؤمن، ولم يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله.
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لقد سألني هذا عن الذي سألني عنه وما لي علم بشيء منه حتى أتاني الله به).
هذا الحديث رواه الإمام مسلم في صحيحه من حديث ثوبان، وقد ذكر فيه أن ماء الرجل أبيض وماء المرأة أصفر.