للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[تبرؤ الآلهة ممن يدعونهم من دون الله يوم القيامة]

ثم قال سبحانه وتعالى: {وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ} [فاطر:١٤]، سواءٌ كانت هذه الآلهة أصناماً وأحجاراً، أم أناساً ميتين، أم كانت شمساً وقمراً وأشجاراً وأنهاراً وغيرها مما عبد الخلق، والكفار أغبياء جداً في فهمهم لمعنى الألوهية، فهو يذهب إلى الصنم بأسهمه إذا أراد أن يسافر، فيأخذ الأسهم ويقرع بينهن، فإذا خرج سهم السفر فرح بذلك، وإذا خرج سهم القعود وعدم السفر أقرع بينها مرةً ثانية، فهو يعلم أن هذا الصنم لا يملك لنفسه شيئاً قبل أن يملك لغيره، وهكذا هو عقل الكافر في كل زمان ومكان، وهذا الغباء هو ما يعرفه الكافر إذا دخل في دين الله وأسلم، فكيف يعطيك الله ويرزقك ثم تعبد من لا يملك لنفسه أو غيره شيئاً؟! ويوجد الآن من يعبد البقر مع أنها تذبح أمامه، ومع ذلك يسجد لها من دون الله سبحانه وتعالى.

وهناك من يصنع تماثيل عالية جداً كبوذا ويعبدها من دون الله تعالى، مع أنه صنعها بنفسه من الحجارة، وقد حدثني أحد الأساتذة في الطب وكان قد سافر إلى اليابان، فقال: إن الناس هناك يذهبون إلى بوذا في المعبد ومع كل واحد منهم جرس ليؤدوا طقوس العبادة له من دون الله سبحانه، فسأل أحدهم مرةً عن هذا الجرس ماذا يصنعون به؟ فأجابه أحدهم: أنهم يوقظون الإله ليعطيهم حاجياتهم، ولا حول ولا قوة إلا بالله.

وهكذا هو حال الإنسان الذي لم يعرف الله تعالى، ففي قلبه ظلمة وفي عقله غباء، فهو يستدل بالباطل على الباطل، يجد نور الحق أمامه ومع ذلك لا يذهب إليه ولا يتبعه؛ لأن الله قد طبع على قلوبهم وعلى سمعهم، وجعل الغشاوة على أبصارهم فعبدوا غيره سبحانه وتعالى.

قال سبحانه: {وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ وَلا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ} [فاطر:١٤]، فهؤلاء الذين عبدتموهم من دون الله يتبرءون يوم القيامة منكم ويكفرون بما أشركتم، حتى إن الشيطان يقول: {إِنِّي كَفَرْتُ بِمَا أَشْرَكْتُمُونِ مِنْ قَبْلُ} [إبراهيم:٢٢]، فأنا لا تعجبني عبادتكم، بل أنا كافر بعبادتكم إياي، ولست معترفاً ولا مقراً بأني إله من دون الله تعالى، قال سبحانه: {إِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} [إبراهيم:٢٢].

ثم قال الله سبحانه: {وَلا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ} [فاطر:١٤]، فهل تريد أن ينبئك غير ربك سبحانه؟ {أَلا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ} [الملك:١٤]، فلا ينبئك مثله سبحانه وتعالى، فهو الخبير بخبايا النفوس، وبما يكون في الغيب، فسترجع الأمور إلى الله سبحانه وتعالى وسيجازي عباده أجمعين: {وَلا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ} [فاطر:١٤].

نسأل الله عز وجل أن يهدينا صراطه المستقيم، صراط الذين أنعم عليهم، غير المغضوب عليهم ولا الضالين، أقول قولي هذا، وأستغفر الله العظيم، وصل اللهم وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

<<  <  ج:
ص:  >  >>