[تفسير قوله تعالى:(ولمن صبر وغفر إن ذلك لمن عزم الأمور)]
قال تعالى:{وَلَمَنْ صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الأُمُورِ}[الشورى:٤٣] فالإنسان الذي يصبر ويعفو ويتجاوز عما فعل فيه، (إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الأُمُورِ) أي: من عزائم الأمور، وكأن الآية فيها شيء مضمر، وهذا مثلما نقول:{أُوْلُوا الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ}[الأحقاف:٣٥] فالرسل كلهم أفاضل، وكلهم قاموا بأمر الله عز وجل، وبلغوا رسالات الله، وأمر الله عز وجل، لكن كان هناك من كانوا أقوى من غيرهم، وأشد عزيمة من غيرهم، فكأن الإنسان الذي يعفو ويصبر أشد عزيمة من غيره، وقوي العزيمة، صابر على أمر الله، وهو إنسان قوي شديد في أمر الله، ومتمسك بدين الله، (إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الأُمُورِ) أي: متمسك بما يحبه الله سبحانه وتعالى، وما يرتضيه من عباده أن يفعلوه.
إذاً: الإنسان له أن ينتصر ممن ظلمه، وله أن يعفو عمن ظلمه بحسب حال هذا الظالم، وإذا كان الظالم يستحلي الظلم فلك أن تنتصر منه، وعلى ذلك ينزل الحديث الذي جاء في قصة السيدة عائشة مع السيدة زينب رضي الله تبارك وتعالى عنهما.
فالسيدة زينب بنت جحش بنت عمة النبي صلوات الله وسلامه عليه، من آل بيت النبي صلى الله عليه وسلم، كانت تفتخر على نساء النبي صلى الله عليه وسلم، وكانت تفتخر أن الذي زوجها من النبي صلى الله عليه وسلم هو الله من فوق سبع سماوات، تقول: زوجكن أباؤكن وزوجني الله من فوق سبع سموات، ولها الحق أن تفتخر بمثل هذا.
ولكن قد يحدث من الغيرة بين نساء النبي صلى الله عليه وسلم ما لا يكون محموداً، ولذلك جاءت إلى السيدة عائشة رضي الله عنها، والنبي صلى الله عليه وسلم عندها، وكأنها تغيضت منها أن النبي صلى الله عليه وسلم عندها، فقالت لها كلاماً شديداً موجعاً، فسكتت السيدة عائشة، فإذا بالنبي صلى الله عليه وسلم يقول للسيدة عائشة:(دونك فانتصري) وهذا المقام مقام العفو، فعفت عائشة وسكتت، ولكن لما استطالت الأخرى في ذلك، ردت عليها فأفحمتها، قالت: فجف ريقها في حلقها، فضحك النبي صلى الله عليه وسلم.
نسأل الله عز وجل أن يعيننا على أن نرضيه بأقوالنا وأفعالنا ونوايانا، وأن يتقبل منا سبحانه وتعالى.
أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم.
وصل اللهم وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.