ثم إن لوطاً لما آوى عنده الملائكة رآهم شباباً ولم يعرف أنهم ملائكة، فخرجت امرأته إلى القوم وخانت، فذهبت إليهم وقالت: إن شباناً حساناً مع لوط في البيت، فجاءه قومه يهرعون ويتدافعون ويركضون نحو بيت لوط عليه الصلاة والسلام، فلما وصلوا إلى بيته أرادوا دفع الباب حتى يدخلوا عليه، وقالوا:{أَوَلَمْ نَنْهَكَ عَنِ الْعَالَمِينَ}[الحجر:٧٠]، أي: أولسنا نهيناك أن تنزل عندك أحداً من غير أن تقول لنا؟ {أَوَلَمْ نَنْهَكَ عَنِ الْعَالَمِينَ}[الحجر:٧٠]، قال:{هَؤُلاءِ بَنَاتِي}[هود:٧٨] يعني: بنات القوم؛ لأن كل نبي أب لقومه، فقال:((هَؤُلاءِ بَنَاتِي))، يعني: النساء اللاتي عندكم.
{هُنَّ أَطْهَرُ لَكُمْ}[هود:٧٨]، أي: مما تقعون فيه من هذه الفاحشة المنكرة.
فلما أبوا إلا الدخول عليه قال من غضبه ومن ضعفه في هذه الحالة:{لَوْ أَنَّ لِي بِكُمْ قُوَّةً أَوْ آوِي إِلَى رُكْنٍ شَدِيدٍ}[هود:٨٠]، فلما ضاق به الأمر أظهر له الملائكة أنفسهم بأنهم رسل الله، فلا داعي للخوف من هؤلاء، فقالوا:{إِنَّا رُسُلُ رَبِّكَ لَنْ يَصِلُوا إِلَيْكَ}[هود:٨١]، أي: هم يطرقون عليك الباب من أجل أن يدخلوا، دعهم يدخلون، فلما فتح الباب ألقوا في وجوههم شيئاً، فعميت أبصارهم، فرجعوا متقهقرين وهم يتوعدون لوطاً.
ولو كان عندهم عقل، أو شيء من البصر لعلموا أن هذا مؤيد من ربه، ولآمنوا وانتهوا، ولكن أبوا إلا أن يتوعدوا لوطاً بأنهم سيرجعون له مرة ثانية، فلما خرجوا خاف لوط عليه الصلاة والسلام، فطلبت منه الملائكة أن يخرج، فكأنه تعجل الانتقام من هؤلاء، فقالوا:{إِنَّ مَوْعِدَهُمُ الصُّبْحُ أَلَيْسَ الصُّبْحُ بِقَرِيبٍ}[هود:٨١]، أي: نحن الآن بالليل، وفي الصبح سيأتي عذابهم، {أَلَيْسَ الصُّبْحُ بِقَرِيبٍ}[هود:٨١].
وأمروه بالخروج هو وأهله، {إِلَّا امْرَأَتَكَ}[هود:٨١]، والمعنى: أنها لا تخرج معك، أو ستخرج معك، ثم سترجع للعذاب مع قومها.