قال الله تعالى:{وَهُمْ مِنْ كُلِّ حَدَبٍ يَنسِلُونَ}[الأنبياء:٩٦] المعنى: من كل مكان مشرف ومرتفع، فكأنهم من كل مكان يخرجون على الناس لكثرة عددهم.
وسبحان الله لا أحد يعرف أين هم الآن، فقد حجبهم الله من أيام ذي القرنين، لكنهم موجودون يقيناً، فالله عز وجل هو الذي أخبر بذلك، والله لا يخبرنا بشيء لا يكون أبداً سبحانه وتعالى، فهم موجودون، ولكنّ الإنسان جاهل، ومع ذلك يدعي أنه عرف كل شيء في الكون، وهو بجهله يعلم في نفسه أنه لم يعرف كل شيء، ولكن يتعالم ويتعالى.
فهم يتكلمون مثلاً عن مثلث برمودا، فأمريكا لم تعرف ما هو سر هذا المثلث، فلا طائرة تصل إليه إلا اختفت، فقد أرسلوا سرباً من الطائرات للبحث عن طائرة ضاعت هناك، فلم تعد الطائرة ولم يعد السرب، فأرسلوا سفناً إلى تلك الأماكن فلم تعد تلك السفن، ويكتمون ذلك ويقولون: مكان مجهول من الأرض لا نعرف ما فيه، فهنا يعجزهم الله عز وجل فلا يعرفون ما هناك، ولا يعرفون أين اختفت الطائرات من سنة سبع وأربعين حتى الآن.
فإذا أخبرنا الله عز وجل أن هناك مكاناً في الأرض فيه سد موجود ووراءه هؤلاء القوم وأنهم كثرة كاثرة، فلا يقول الإنسان: أين هم؟ قد طفنا الأرض كلها، فأنت لم تعرف كل شيء في الأرض، فإن في الأرض أماكن لا يعرف الإنسان ما هو الشيء الموجود فيها، فالله سبحانه أخبرنا أنه سترهم خلال هذه الفترة، وأخبر عنهم أنهم سيخرجون ومن كل حدب ينسلون.
والنسل يعني: الإيجاد السريع، أي: يخرج بسرعة، فكأن هؤلاء في وقت خروجهم يفتح الله السد الذي حبسهم به فيخرجون إلى الناس، وهو السد الذي بناه عليهم ذو القرنين، فهم في كل يوم يحاولون خرق هذا السد ولكنهم لا يستطيعون، ولكن في كل يوم يفتحون منه شيئاً، فيقول كبيرهم في آخر هذا اليوم: غداً نفتحه فنخرج على الناس ولا يستثني بقول: إن شاء الله، فيعود السد كما كان وتغلق تلك الفتحة فيقومون في الصباح فيجدون السد قد أغلق، وهكذا حتى يأتي وعد الله، فيقول كبيرهم: غداً إن شاء الله نفتحه، فتبقى الفتحة كما هي، فإذا جاء الصباح أكلموا فتحه وخرجوا على الخلق، فيأكلون ما في الأرض من نبات، ويشربون ما في الأرض من مياه، ويهلكون أهل الأرض.