للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[إثبات إيمان المشركين بتوحيد الربوبية]

ثم يأتي بعد هذا القسم الجواب وهو قول الله: {إِنَّ إِلَهَكُمْ لَوَاحِدٌ} [الصافات:٤]، فأقسم الله بملائكته سبحانه على أن الإله الذي يستحق العبادة هو إله واحد لا شريك له سبحانه، فهو الإله المعبود، وهو الرب الصانع الخالق، {الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ} [السجدة:٧]، وهو المدبر الرزاق سبحانه تبارك وتعالى، فهذا هو الرب وهذا الإله، وقد كان المشركون يعتقدون أن الرب واحد، كما قال سبحانه: {وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ} [الزخرف:٨٧]، فلا يوجد عندهم إشراك في ربوبية الله سبحانه، وأنه الذي يخلق ويرزق ويحيي ويميت، وأنه الذي ينفع ويضر، ولكنهم يعبدون آلهة من دون الله سبحانه تبارك وتعالى مع اعتقادهم أن الذي ينفع هو الرب الذي في السماء سبحانه تبارك وتعالى، ولكنهم عبدوا غير الله سبحانه بسبب الهوى؛ لأن كل إنسان لا يريد أن يستمع من غيره عندما يأمره ويقول له: لي إله، وإلهه يأمره بأن يأمره؛ ولأنه ليس أفضل منه في اعتقاده سبحانه، وهم يعتقدون بأنهم سيكونون مأمورين من قبله صلى الله عليه وسلم، فاستكبروا على الحق الذي جاءهم من عند الله سبحانه، وحالهم كما وصف الله سبحانه: {وَقَالُوا لَوْلا نُزِّلَ هَذَا الْقُرْآنُ عَلَى رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ} [الزخرف:٣١] أي: ألم يجد ربك غيرك ليبعثه؟ ولماذا لم يبعث أحداً غيرك أعظم أو أغنى أو أقوى منك كـ أبي جهل أو عروة الثقفي أو غيرهم؟ فبين الله سبحانه أن غيرتهم وحسدهم من النبي صلى الله عليه وسلم هو الذي دفعهم إلى البعد عن دين الله سبحانه.

فقال الله سبحانه: (إِنَّ إِلَهَكُمْ لَواحِد) يعني: الذي يستحق العبادة إله واحد سبحانه تبارك وتعالى، وهذا الذي تعجب منه المشركون ولا عجب فيه، فإذا كنتم تقولون: إن الرب الذي يخلق ويرزق وينفع ويضر رب واحد فلم لا تعبدون الرب الواحد سبحانه؟! وكيف تعبدون غيره ممن لا ينفع ولا يضر؟! وكيف يأتي أحدكم إلى الصنم وهو يعتقد أن الصنم لا ينفع ولا يضر ثم يقول له: اعمل لي كذا، وأعطني كذا، ويعبده من دون الله سبحانه تبارك وتعالى؟! أي عقل يدفعهم إلى ذلك؟! ولذلك قالوا عن النبي صلى الله عليه وسلم: {أَجَعَلَ الآلِهَةَ إِلَهًا وَاحِدًا إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ} [ص:٥]، وكانت هذه مغالطة منهم لأنفسهم وغيرهم، فالإنسان إذا لم يعرف الرد على خصمه، لجأ إلى التحريف في الكلام كما هو الحال في هذه الآية، فيقولون: نحن نعبد الله مباشرة دون وسائط فلابد من الوسائط بيننا وبين الله سبحانه تبارك وتعالى، فنحن نعبد هذه الأصنام لكي تقربنا إلى الله عز وجل، وهي حجة سخيفة وغبية، بل عليه اللجوء إلى الله سبحانه دون وسائط، وعليه التقرب إليه والدعاء له سبحانه، ثم هذا الصنم الأصم الأبكم هل يصلح أن يكون واسطة بينك وبين الله سبحانه؟!

<<  <  ج:
ص:  >  >>