قوله سبحانه:{وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ}[الحج:٢٩] وصف الله البيت بأنه عتيق، وكلمة عتيق تحتمل عدة معان أكثرها موجودة في البيت الحرام، قال الله عز وجل:{إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكًا}[آل عمران:٩٦]، فهو عتيق لكونه أقدم بيوت الله سبحانه وتعالى.
ويسمى عتيقاً؛ لأن الله عز وجل أعتق هذا البيت من أن يتسلط عليه الجبابرة، فلا أحد تسلط عليه وتركه الله سبحانه وتعالى، فلما جاء أبرهة لهدم البيت أرسل الله عليه:{طَيْرًا أَبَابِيلَ * تَرْمِيهِمْ بِحِجَارَةٍ مِنْ سِجِّيلٍ * فَجَعَلَهُمْ كَعَصْفٍ مَأْكُولٍ}[الفيل:٣ - ٥]، فأعتقه الله عز وجل من تسلط الكفار والجبابرة.
وسمي عتيقاً؛ لأنه لم يملك موضعه قط، فلم يملك أحد هذا المكان أبداً لا قبل الإسلام ولا بعد الإسلام، فهو بيت عتيق لأنه لم يملك.
وأيضاً هو بيت يعتق الله من يدخلونه من النار، فالحجاج أكثر من يعتقهم الله سبحانه تبارك وتعالى من النار.
وقيل: ويسمى البيت العتيق لأنه أعتق من الغرق في الطوفان، فعندما غرقت الأرض كلها في الطوفان، أعتق الله عز وجل البيت، فلم يناله من ذلك شيء.
وقيل: العتيق بمعنى الكريم، والعتق في اللغة تطلق بمعنى الكرم، فهو بيت كريم.
وقالوا: العتيق صفة مدح تقتضي جودة الشيء، كقول عمر رضي الله عنه: حملت على فرس عتيق، أي على فرس جيد.
وكل هذه المعاني موجودة في بيت الله الحرام، فهو أقدم بيت وضع للناس، وهو أشرف وأكرم موضع على الأرض، والله سبحانه تبارك وتعالى عتقه من تسلط الجبابرة عليه، والله عز وجل أعتق العبيد الذين يحجون إلى هذا البيت، فيعتق الله سبحانه رقابهم من النار.