[تفسير قوله تعالى: (وأنكحوا الأيامى منكم والصالحين من عبادكم وإمائكم)]
الحمد لله رب العالمين, وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، اللهم صل وسلم وبارك عليه، وعلى آله وصحابته أجمعين.
قال الله عز وجل: {وَأَنكِحُوا الأَيَامَى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ إِنْ يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ} [النور:٣٢].
يأمر الله سبحانه في هذه الآية بالنكاح والإنكاح، فيقول: {وَأَنكِحُوا الأَيَامَى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ} [النور:٣٢] (أنكحوا) أي: زوجوا، فالولي يزوج من هو ولي عليها، كابنته وأخته، فإذا زوجت فلا ترفض ذلك؛ فهي مأمورة بالطاعة، ويلزمه ألا يكرهها، إلا أن تكون صغيرة ومثلها لا رأي له.
ولكن الأصل أن الله سبحانه وتعالى جعل النكاح عفة لعباده، وجعله وسيلة للتناسل وإبقاء النسل إلى ما يشاء الله سبحانه وتعالى.
قال: {وَأَنكِحُوا الأَيَامَى} [النور:٣٢] يعني: من ليست له زوجة من الرجال، ومن ليس لها زوج من النساء، والأصل أن الأيم هي المرأة التي لا زوج لها، ويطلق أيضاً على الرجل الذي لا زوجة له.
قال: {وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ} [النور:٣٢]، فأمر أيضاً بتزويج العبيد والإماء، أي: أعينوهم على العفة بالزواج، قال: {مِنْ عِبَادِكُمْ} [النور:٣٢]، فكما أن الحر له حقوق، فكذلك العبيد لهم حقوق، فالله عز وجل جعل لهم حقوقاً في كتابه، وجعل لهم حقوقاً على لسان النبي صلوات الله وسلامه عليه؛ لأن العبد إنسان مؤمن مثل الحر، ولكن جعله الله عز وجل تحت يدك، فلا تتجبر عليه، ولا تقس عليه، ولذلك جاء في حديث النبي صلى الله عليه وسلم: (إخوانكم خولكم، جعلهم الله تحت أيديكم)، إذاً: فهذا العبد جعله الله تحت يد الحر، ولو شاء الله لجعل هذا الحر عبداً تحت يد هذا العبد وجعله حراً، ولكن الله عز وجل منّ على عباده حين ملكهم هؤلاء، وقال: راعوا الحقوق في الذين تملكونهم، فكما أنك إنسان ومقتضى إنسانيتك أن لك حقوقاً فتحتاج إلى النكاح لتعف به نفسك، فكذلك هذا العبد يحتاج إلى ذلك.
والإنسان الحر لو لم يتزوج لعله يقع في السفاح والزنا، والعبد كذلك، بل العبد أشد، فالحر قد يجد من أهله من يمنعه من ذلك، وأما العبد والأمة فلا أهل لهما.
فالعبد قد يكون أسيراً وجيء به إلى أرض غير أرضه، فإذا به لا أهل له، ولا رادع له، فإما أن يكون في قلبه إيمان يمنعه وخوف من الله عز وجل يدفعه إلى طاعة الله، وإما أنه لا يهتم بشيء، فإذا به من أفجر الفجار.
ووجود الإنسان الحر في أهله إذا أراد أن يقع في منكر فإنه يستحيي منهم ويخاف؛ لأنه يوجد فيه من يأمره بالمعروف وينهاه عن المنكر.
ولذلك أمر الله عز وجل الأحرار بالزواج؛ لأن هذا يحصنهم ويمنعهم من الفجور، وقال النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث: (يا مشعر الشباب! من استطاع منكم الباءة فليتزوج؛ فأنه أغض للبصر، وأحصن للفرج)، فالزواج ليس للأحرار فقط دون العبيد، ولكن قال الله عز وجل هنا: {وَأَنكِحُوا الأَيَامَى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ} [النور:٣٢]، والصلاح خير لصاحبه في كل أحواله حراً كان أو عبداً، فهنا وصى الله سبحانه بهؤلاء الصالحين من العبيد والإماء أن زوجوا هؤلاء، فالسيد يملك الأمة، فإما أن يعفها هو بأن يطأها ويكون له منها الولد، فهي ملك يمين، أو يتزوجها، أو يزوجها، أو يبيعها لمن يقدر على ذلك.
وأمر الله عز وجل الحر السيد أن يزوج هذا العبد حتى لا يقع في الحرام، قال: {وَأَنكِحُوا الأَيَامَى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ} [النور:٣٢].