للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[تفسير قوله تعالى: (ويقولون متى هذا الوعد إن كنتم صادقين)]

ولكن مع ذلك كله فهؤلاء الكفار يجادلون ويقولون: {مَتَى هَذَا الْفَتْحُ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ} [السجدة:٢٨]، ما زلتم تقولون: ربنا سيفتح لكم، ربنا سيحكم لكم، سيقضي لكم، سيكون لكم النصر علينا، سنبعث يوم القيامة! فمتى سيكون هذا الكلام كله الذي تقولون؟ {وَيَقُولُونَ مَتَى هَذَا الْفَتْحُ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ} [السجدة:٢٨]، والجواب من الله سبحانه: {قُلْ يَوْمَ الْفَتْحِ لا يَنفَعُ الَّذِينَ كَفَرُوا إِيمَانُهُمْ وَلا هُمْ يُنْظَرُونَ} [السجدة:٢٩]، يوم أن نحكم ونقضي وننصر المسلمين {لا يَنفَعُ الَّذِينَ كَفَرُوا إِيمَانُهُمْ وَلا هُمْ يُنْظَرُونَ} [السجدة:٢٩].

والكافر لو انتصر عليه المسلم هل ينفعه إيمانه؟ نقول: ينفع الإيمان في وقت ولا ينفع في وقت آخر، فإذا دخل الإنسان في هذا الدين نفعه حتى ولو كان كافراً مهزوماً، ودعي إلى الدين فدخل فيه، حتى لو رفع عليه السيف فوق رقبته وقال: لا إله إلا الله عصم دمه، فلا يقتل في هذه الحالة، وينفعه إيمانه إذا كان صادقاً في قلبه، ولكن الكافر الذي يضرب بالسيف، فيموت فيعاين الملائكة لا ينفعه إيمانه في هذه اللحظة، فوقت الغرغرة لا ينفع الإيمان، ووقت خروج الروح لا ينفع الإيمان، فإذا شاهد الكافر الملائكة وهي تأخذ روحه من جسده فقال: آمنت، لا ينفعه الإيمان ذلك حين {لا يَنفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْرًا} [الأنعام:١٥٨]، ففي وقت انتصار المسلمين وقتلهم للكفار، ووقت معاينة الكافر للملائكة، فتقبض روحه؛ لا ينفعه الإيمان، كذلك يوم القيامة، يوم أن يصير الغيب شهادة، ويصير الشيء الذي كان لا يراه الإنسان ماثلاً أمام عينيه، فلا ينفعه إيمانه إذا جاء يوم القيامة ورأى الملائكة، ورأى الجنة والنار وقال: آمنا ربنا أرجعنا ربنا صدقنا وآمنا، لا ينفعه طالما أنه لم يؤمن من قبل.

قال سبحانه: {قُلْ يَوْمَ الْفَتْحِ لا يَنفَعُ الَّذِينَ كَفَرُوا إِيمَانُهُمْ وَلا هُمْ يُنْظَرُونَ} [السجدة:٢٩]، والفتح له معان منها: الفتح والفصل والقضاء الذي يقضيه الله عز جل بين عباده، إما بنصر المؤمنين على هؤلاء، فهو فتح في الدنيا، أو بالقضاء يوم القيامة، فهو الفتح والفصل من الله عز وجل بين العباد.

يقول سبحانه: {لا يَنفَعُ الَّذِينَ كَفَرُوا إِيمَانُهُمْ وَلا هُمْ يُنْظَرُونَ} [السجدة:٢٩]، يطلبون الانتظار والرجعة مرة ثانية إلى الدنيا ليعملوا.

قال الله: {فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ} [السجدة:٣٠] أعرض عن هؤلاء، أعرض عن جدالهم وكلامهم الذي يقولونه: {وَانْتَظِرْ} [السجدة:٣٠] أمر الله سبحانه، {فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَانْتَظِرْ إِنَّهُمْ مُنتَظِرُونَ} [السجدة:٣٠]، فهم ينتظرون عذاب رب العالمين، ويدعون: ربنا عجل لنا قطنا، وعذابه آتيهم آتيهم! فاصبر أنت حتى يأتي أمر الله.

نسأل الله عز وجل أن يعز الإسلام والمسلمين، وأن يخذل الكفر والمشركين.

أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم، وصل اللهم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

<<  <  ج:
ص:  >  >>