للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[تهديد قوم نوح له وموقفه من ذلك]

قال سيدنا نوح لربه سبحانه: {إِنَّكَ إِنْ تَذَرْهُمْ يُضِلُّوا عِبَادَكَ وَلا يَلِدُوا إِلَّا فَاجِرًا كَفَّارًا} [نوح:٢٧]، وذلك عندما مكث يدعوهم ألف سنة إلا خمسين عاماً، إذ كان عمره طويلاً، وأما هم فكان منهم صاحب العمر الطويل ومنهم صاحب العمر القصير، فقد مات الأجداد، فجاء الآباء وماتوا، فجاء الأبناء وماتوا، فجاء الأحفاد والرسول هو نوح على نبينا وعليه الصلاة والسلام، فقد بذل نوح عليه الصلاة والسلام في دعاء هؤلاء الأقوام إلى ربهم سبحانه الكثير من العمر والجهد، وعندما يذكر الله عز وجل للنبي صلى الله عليه وسلم هذه القصة فكأنه يقول له: ستأتي البشارة والنصر من الله كما نصر نوحاً، وقد صبر نوح ألف سنة إلا خمسين عاماً، فاصبر كما صبر الذين من قبلك من الرسل، {فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُوْلُوا الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ وَلا تَسْتَعْجِلْ لَهُمْ} [الأحقاف:٣٥].

قال نوح على نبينا وعليه الصلاة والسلام: {إِنْ أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ} [الشعراء:١١٥] أي: أخوفكم عذاب الله بسبب كفركم وشرككم، ((مُبِينٌ)) أي: بين واضح، وعندي الحجج والبراهين من الله.

{قَالُوا لَئِنْ لَمْ تَنْتَهِ يَا نُوحُ لَتَكُونَنَّ مِنَ الْمَرْجُومِينَ} [الشعراء:١١٦]، وهنا التخويف بمقتضى قوتهم، إذ قالوا: نحن أقوياء وأنت ضعيف، فقالوا: {لَئِنْ لَمْ تَنْتَهِ يَا نُوحُ} [الشعراء:١١٦] يعني: عن سب آلهتنا وعن دعوتنا إلى التوحيد الذي تدعو إليه {لَتَكُونَنَّ مِنَ الْمَرْجُومِينَ} [الشعراء:١١٦]، والرجم يأتي في القرآن بمعان مختلفة: فقد يأتي بمعنى الرجم بالحجارة، وقد يأتي بمعنى: السب والشتم، وكل ذلك فعله الكفار مع نوح ومع غيره من الأنبياء عليهم الصلاة والسلام، فهددوا نوحاً بالرجم بالحجارة، أي: القتل، والمرجوم هو القتيل رمياً بالحجارة، أو هددوه بأن يكون من المشتومين.

وعند ذلك قال نوح سائلاً ربه سبحانه: {قَالَ رَبِّ إِنَّ قَوْمِي كَذَّبُونِ * فَافْتَحْ بَيْنِي وَبَيْنَهُمْ فَتْحًا} [الشعراء:١١٧ - ١١٨] أي: ائتني بالفتح من عندك، والفتح هو النصر، فانصرني عليهم، وقوِّ حجتي، وأظهر دعوتي، وذلك بعد أن شكا إلى ربه تكذيب قومه فقال: {رَبِّ إِنَّ قَوْمِي كَذَّبُونِ * فَافْتَحْ بَيْنِي وَبَيْنَهُمْ فَتْحًا} [الشعراء:١١٧ - ١١٨]، ونكر كلمة الفتح، يعني: فتحاً عظيماً، {وَنَجِّنِي وَمَنْ مَعِيَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ} [الشعراء:١١٨]، فسأل ربه أن ينجيه، وأن ينجي من معه من المؤمنين، وقد كان المؤمنون قلة مع نوح، فما آمن معه إلا قليل من قومه، بل إن امرأة نوح لم تكن على دينه وكانت كافرة، وابن نوح أيضاً كان كافراً، وامرأة نوح قد ضرب الله عز وجل بها المثل في القرآن، فقال: {ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِلَّذِينَ كَفَرُوا اِمْرَأَةَ نُوحٍ وَاِمْرَأَةَ لُوطٍ كَانَتَا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبَادِنَا صَالِحَيْنِ فَخَانَتَاهُمَا فَلَمْ يُغْنِيَا عَنْهُمَا مِنَ اللَّهِ شَيْئًا} [التحريم:١٠] أي: خانتاهما في كونهما على الكفر ولم يؤمنا بدين الله عز وجل، أو في كونهما يدلان القوم على مواضع الضعف عندهما، وليس المقصود من ذلك الخيانة في العشرة الزوجية، فالله يعصم أنبياءه من أن يكون في بيوتهم مثل ذلك.

<<  <  ج:
ص:  >  >>