الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.
اللهم صل وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحابته أجمعين.
قال الله عز وجل في سورة الزمر:{وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّموَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ * وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَمَنْ فِي الأَرْضِ إِلَّا مَنْ شَاءَ اللَّهُ ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرَى فَإِذَا هُمْ قِيَامٌ يَنْظُرُونَ}[الزمر:٦٧ - ٦٨].
في هذه الآيات من آخر سورة الزمر يخبرنا الله سبحانه تبارك وتعالى عن أحداث يوم القيامة، من النفخ في الصور والبعث من القبور، ومن سوق الناس إما إلى الجنة وإما إلى النار، ويقول تعالى:{وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّموَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ}[الزمر:٦٧]، ففيها بيان لقوة الله وقدرة الله سبحانه تبارك وتعالى، وضعف الإنسان بل وضعف جميع المخلوقات التي خلقها الله عز وجل.
قال تعالى:{أَأَنْتُمْ أَشَدُّ خَلْقًا أَمِ السَّمَاءُ بَنَاهَا * رَفَعَ سَمْكَهَا فَسَوَّاهَا}[النازعات:٢٧ - ٢٨] أي: فهذه السماوات السبع التي أخبر الله أنها أشد خلقاً منكم، ومع ذلك فهي مطويات بيمينه سبحانه تبارك وتعالى، وهذه الأرض التي يسير عليها الإنسان، ويظن أنه كبير على خلق الله، وأنه قوي، فإن الله سبحانه تبارك وتعالى يقول:{إِنَّكَ لَنْ تَخْرِقَ الأَرْضَ وَلَنْ تَبْلُغَ الْجِبَالَ طُولًا}[الإسراء:٣٧].
أي: فالأرض أعظم منك وأقوى منك، فلو ضربت الأرض بقدمك ما استطعت أن تخرقها، ولو تساميت في نفسك ما بلغت الجبال طولاً، فاعرف قدرك، واقدر ربك حق قدره، فالأرض هذه التي هي أقوى منك هي في قبضة الله عز وجل يوم القيامة، فكيف بك؟ والسماوات التي هي أشد منك يطويها الله سبحانه تبارك وتعالى يوم القيامة، فلا تتكبر على خالقك وارجع إليه، وتب إلى الله سبحانه، واذكر يوم القيامة وما يكون فيه من نفخ في الصور، إذ ينفخ إسرافيل، وهو الملك الذي وكله الله سبحانه بذلك، فيصبح الأمر كما قال تعالى:{فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَمَنْ فِي الأَرْضِ إِلَّا مَنْ شَاءَ اللَّهُ ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرَى فَإِذَا هُمْ قِيَامٌ يَنْظُرُونَ}[الزمر:٦٨].
وتكون في ذلك اليوم نفختان نفخة يصعق الله عز وجل فيه خلقه إلا من استثناهم الله سبحانه وتعالى على ما قدمنا في الحديث السابق، ونفخة أخرى ينشرون ويقومون من قبورهم، ويعادون كما كانوا عليه ويرجعون مرة ثانية، أما في النفخة الأولى فصعق من في السماوات ومن في الأرض، فإذا بكل مخلوق مات.